04 ديسمبر 2010

صدام حسين و اسرائيل حاضران في مونديال 2022 القطري

بالاستناد الى المداخيل المالية الهائلة التي يوفرها البترول و الغاز، بادرت مشيخة قطر إلى تقديم مقترح خاص بها يتعلق باستضافة بطولة العالم في كرة القدم للعام 2022. لا ريب أنه يحق لأي دولة ترشيح نفسها لاحتضان المحفل الكروي إذا توفرت لديها الشروط المقررة من لدن الإتحاد الدولي لكرة القدم " الفيفا ". و قد اتضح عبر العديد من المناسبات أن شروط جوزيف بلاتر تتعارض مع الاقتضاءات الموضوعية التنافسية حيث أن الاجماع الجماهيري العالمي الذي يحرزه المونديال لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبتعد عن الاستعمالات السياسية.

مؤثثات الحصول على فرصة الترشيح لا تهمنا بالقدر الذي تهمنا به التبريرات التي استخدمها النظام السياسي القطري للفوز بتنظيم المونديال. و الحديث عن مسؤولية النظام السياسي ليس تحاملا أو انحيازا غير مبرر، فقد تابعنا جميعا أن اللجنة المشرفة على الملف القطري كانت تتألف من الشيخة موزة و زوجها الشيخ حمد فضلا عن أعضاء آخرين ينتمون إلى العائلة الحاكمة في دولة قطر. كما أن الشيخة موزة هي التي تكفلت بتعريف ملف بلادها للحاضرين من خلال إلقاء نص يدور حول التسامح .

اللجنة القطرية أكدت أن احتضان الشرق الأوسط للعرس الكروي سيفضي حتما إلى شيوع قيم التعايش و السلام في هذه المنطقة المتوترة من العالم، مثلما سيعزز أواصر التآخي و التقارب بين شعوب المنطقة و من بين هذه الشعوب، الشعب الاسرائيلي الذي سيمكنه المونديال القطري من التواصل دون عراقيل مع شعوب الدول العربية التي لم تنشىء بعد علاقات دبلوماسية رسمية مع اسرائيل. و نحن ندرك مليا أن مجرد كيل المدح المفرط لمفردات السلام و التعايش داخل الشرق الأوسط يخدم المصلحة الاسرائيلية حيث سيتيح لشعبها كسر الحاجز، على الأقل النفسي، الذي يمنعه من التواصل مع الجمهور العربي المتشبث بمساندة الكفاح الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال الصهيوني. الإشارة إلى البعد التطبيعي للملف القطري لا تعد مزايدة انتهازية، إنما هي محاولة تحليلية بل وصفية لاظهار التناقض التام بين الايحاء التطبيعي و بين الوجه الشعبوي الذي تحاول أن ترتديه السياسة الخارجية القطرية إضافة إلى سوريا و ايران و هذه الدول ساهمت بفعالية غير مسبوقة إلى جانب جورج بوش لزعزعة استقرار الشرق الأوسط دون الحديث طبعا عن الحلفاء الكلاسيكيين لواشنطن.

كأي دولة منفعية في التاريخ، واشنطن بحاجة إلى رأيين متعاكسين نظريا في الشرق الأوسط للحصول على صراع قابل للتسويغ السياسي، إذ يستحيل أن تتواصل سباقات التسلح الاستهلاكي في الشرق الأوسط إذا خضع لوجهة سياسية واحدة، الغرب بحاجة إلى " الإعتدال " العربي و بحاجة إلى ما يسمى " الممانعة الايرانية " كي تنتعش مداخيل شركات بيع الأسلحة و كي يستمر الاستخدام الريعي للثروة البترولية ساريا.

المبرر الأول الذي استعملته قطر يمكن أن نسميه إذن : " الإيحاء التطبيعي " و ال12 سنة التي تفصلنا عن انطلاق المونديال كافية لشحذ الاستعداد النفسي لتواجد مشجعين و سواح اسرائيليين إلى جانب نظرائهم من الدول العربية جالسين جنبا إلى جنب فوق مدرجات ملاعب عاصمة الثقافة العربية الدوحة.

اسرائيل في المحصلة أحد الفائزين بالمحتوى السياسي للمونديال القطري مع استمرار الحصر الدولي لمآسي الفلسطينيين داخل البعد الانساني.

اللجنة القطرية لم تقتصر في عرضها على ما أسميناه " الايحاء التطبيعي " إنما توفر شريط الفيديو الذي دعمت به محاضرتها عن الامكانيات القطرية الفسيحة على شهادة لأحد العراقيين الذي قال في شهادته بأنه عانى كغيره من أبناء الشعب العراقي جراء سيادة القمع و التسلط بين ثنايا أجهزة نظام صدام حسين فلجأ إلى قطر حيث عثر على الحريات العامة و الشخصية و حقوق الإنسان التي كان النظام العراقي الدكتاتوري يصادرها وفق سياسة ممنهجة. و استطرد " الشاهد " العراقي بالقول إن الديمقراطية في قطر مزدهرة. رغم انهيار نظامه منذ سبع سنوات و رغم شنقه، ما زال الكلام المنمق عن اتصاف صدام حسين بالدكتاتورية و اللا إنسانية مربحا سياسيا، الاستعمال القطري الاشهاري لما اعتبره الشاهد العراقي دكتاتورية و قمعا في عراق صدام حسين لم يترافق مع عرض لشهادات العراقيين الذين فروا من الجحيم الذي زرعته الولايات المتحدة الأمريكية في وطنهم المذبوح، هذا الاحتمال يبعث على الضحك فعلا، إذ لا يجوز أن نتصور أن قطر التي تحتل قاعدة عسكرية أمريكية متطورة مساحة واسعة من أراضيها ستجرؤ على توجيه هذه الضربة لواشنطن و هي أحد منافسيها المركزيين لاحتضان مونديال 2022.

ببقي أن نختم بالقول إنه بفضل ما يعتبره الغرب و حلفاؤه دكتاتورية و دموية صدام حسين و الايحاء التطبيعي الموجه إلى اسرائيل كأساسين سياسيين دون نسيان البترول و الغاز كأساس تقني ، تمكنت قطر من نيل شرف تنظيم مونديال 2022


15 أكتوبر 2010

الماء و الشيطان


- 1 -

أوراق ممزقة

ترتقي ذاك المكتب السحيق

جدران مترنحة

لقد تخللتها آلام التقادم

- 2 -

كان المطر مكفهرا

قطراته المتتابعة رسمت التواءات جسدك

كلما انصرفت عيناي عنك

يتأجج حفيف الارتطام المرعب

بين الماء و الأرض

أجل...إنها أنت...

واقفة هناك

- 3 -

قد لا تصدقينني

لكنني أؤكد لك، لقد كانت قطرات البلل المنسابة من ملابسك

أكثر صخبا ، أكثر ضجيجا من صراخ الغيم الحزين...

و دموعه...

- 4 -

على مرمى الرؤية

لأي شخص يدلف من الباب المكسور

سرير أشعث

تنتهي حافته بوسادة براقة

لطالما بدت لي باذخة

بيد أنها لن تتغير مهما احتدم تبرجها

فهي مجرد مكعب حديدي

- 5 -

أتذكر أنك انتشلت معطفك

رغم أن الغرفة اعتمرت الوضاعة

إلا أن مشجب الملابس

كان أقرب إليك مني

- 6 -

انطباعاتي تفضل التموج الحاد

لذلك سأتذكر أيضا أنك غلفت الوسادة بمعطف مفعم بالماء

سأتذكر أيضا أن أكثر الجدران تصدعا

تثاقل حاملا صورة رجل الدين يصلي

عندما أشرقت الشمس

و عندما غربت الشمس

و على الجدار المقابل رسم يدوي

للملك النمرود...

الكافر...الطاغية...الجاحد

و هو يؤدي طقس الالوهية

عندما أشرقت الشمس

و عندما غربت الشمس

- 7 -

آنئذ ابتسمتِ

آنئذ أدركتُ أن لوسيفر عاد إلى السماء

15 سبتمبر 2010

رومانسية الطب و الأدب

" إنها إنسانية ملائكة الرحمة "، بهذه الجملة الأكثر قربا إلى الإنطباعية اختتم الأديب و الطبيب الفرنسي فرانسوا رابلي أحد فصول كتابه التربوي المشهور Gargantua et Pantagruel، سائرا كذلك في مسار الإشعاع الأدبي للطبيب، إلى المستوى الذي نتحدث فيه عن ظاهرة : " الأديب الطبيب " كمفهوم مستقل و كاتجاه ابداعي رافق العديد من التقسيمات الكبرى للفعالية الابداعية الانسانية.

إن التكوين العلمي الطبي ينسجم مع الوجود الغائي للنشاط الابداعي المتلخص في الانتماء الى الأشجان الاجتماعية للإنسانية استنادا الى الوحدة المعرفية للجسم البشري بيولوجيا. لذلك، ليس موقفا انطباعيا أن نتحدث عن وجود علاقة حميمة بين " الأديب الطبيب "و " مواطن العالم " باعتباركل منهما مفهوما قائما بذاته. و لا تنسج الفعالية الأدبية علاقتها الوشيجة مع التكوين الطبي فحسب، إذ تتجاوزه الى مختلف العلوم التطبيقية، فالخطاب الفلسفي يتأسس على المنهج التشكيكي الذي ابتكره عالم الرياضيات رونيه ديكارت ، و إذا تناولنا هذا المنهج بطريقة امتدادية، فسنلاحظ أنه يمثل جذر موقف كارل بوبر حول كيفية توصيف أو فرز النظرية العلمية، إذ أن كل نظرية كي توصف ب " العلمية " تحتاج إلى الاعتراف بقابليتها للتفنيد احتراما لنسبية الحقيقة العلمية و للمبدأ التراكمي الذي يتحكم في عمليات بناء المعرفة.

لا يجوز أن نتطرق إلى الوزن الإنساني لظاهرة " الطبيب الأديب " أو بتعبير أكثر شمولية ، " الطبيب المفكر " دون استحضار رائد الشيوعيين خلال القرن العشرين، الطبيب ارنستو تشي جيفارا و الذي أتاحت مميزات كفاحه الراديكالي ضد كافة أشكال الاستغلال الأفق الرحب أمام تقاطر الكتابات الأدبية و الـتأملية و العلمية.

في النص الأدبي و الفلسفي يتسم الإنصات إلى أثقال الانسان بالأحادية، إذ يتقيد الكاتب قسرا بحدود نوازع الذات المبدعة فيكون له بذلك خياران فقط، إما أن يصور الأحداث كأنه خارجها أو يصورها و هو في أحشائها." الطبيب الأديب " متمثلا في جيفارا ساهم بقوة و اصرار في تحويل آلام الأغيار-- التي تحدثت عنها بوفرة مختلف الكتابات الأدبية -- إلى حركية واقعية تنشد التغيير الراديكالي لمعادلات الحياة الاجتماعية تأسيسا على تشابه أجساد البشر و مساواتهم حين يوضعون فوق المنضدة كي يعالجهم الطبيب ، و هذا ما يسمح لنا أن نفترض أن جيفارا تصرف بنزعته الإيبقراطية أكثر مما تصرف بنزعته الشيوعية، و تزداد هذه الفرضية لمعانا حين نستحضر في هذه اللحظة أن الناتجين السلوكيين و الفكريين لكلا النزعتين متشابهين.

07 سبتمبر 2010

العرب...رومانسيو الأزمات

يقال و قد استرعى الاهتمام الحديث المنصف عن المتمسئلين أو الكائنات الممسوخة الناجمة عن المزج العشوائي بين المتسولين و المسؤولين ، إن ما لا يحبذه الوجد يتعمد الغاء وجوده، فيداري الوجد نفسه الشاحبة بالوهم، إذ أنه يدرك مليا أن ما افترض انتفاءه، موجود و سيستمر موجودا. يوم الحجون، أخطأت حبائل المتيم الولهان، جميل بثينة قلب معشوقته، لكنه عالج كبريائه حينما أورد كلام العواذل اللائي تلمظن صفاء الحب، لذن بالوشاية المزيفة، و كان أن حاقهن الفشل الجسيم.

الحجون المنشود ليس المرتفع التضاريسي الكائن في مدينة مكة أو قرية مكة، فأم القرى تملك الساعة العملاقة الخاصة بها، و تزورها الجموع الصاخبة خلال المناسبات الدينية. إنما المقصود، الانعكاس الأزرق لصورة " غزوة الحجون " على المسار التاريخي للعرب، بوصفهم أنجع مختبر أو لنقلها دون مواربة، أفضل فئران للتجارب السياسية، فمقياس الوعي الثقافي وشيج الاتصال بتشخيص المؤامرات الخطيرة، و غدا التشخيص بوهيميا فتسرب الى تفاصيل العلاقات الاجتماعية مكسرا و تلك فضيلته الأولى و الختامية، القناع الشفاف الذي يخفي الملامح المرعبة و القبيحة للمجتمع العربي، مثلما غدا التشخيص لزوميا أو أصوليا عندما استخدم مبدأ التجميل المنبوذ من قبله كي يخفي الملامح المهولة نفسها.


العلة أو الوجود الغائي للبحث الحثيث عن الحقيقة يختصر في التعرف إليها،( و التصرف الفعلي كمرحلة ما بعد لمس الحقيقة) و هي الخطيئة الأم التي يرشق بها الأصوليون خصومهم. إننا جميعا لا ندرك حقيقة مجتمعاتنا، كما أن تنويع قوالب الحقيقة و الحرص عن كثب على القوالب الوجدانية سبيل مرموق الى النقد الذاتي، و هو الرد الأزلي الذي يستخدمه البوهيميون. لا ننسى أن بعض المثقفين ينتمون باخلاص و وداعة الى المنطقة الوسطى تلافيا لضجيج النقاش الباعث على الملل، فهم يصرخون كلما احتدم السجال : لا غالب و لا مغلوب. و هو موقف عاقل، فالفريقان المتصادمان و اللذين واظبا بوفاء منقطع النظير على انتاج إرث ثقافي مطرز بالصدمة و مفعم بمختلف أشكال العنف، لا يمتلكان أدوات التغيير، بل إنهما غير قادران على الانسجام مع مقتضيات التغيير و التي تتصدرها قضيتان محوريتان : أزمة تجميع حلقات قلادة المجد، و التوصل الى رسم السياقات الثقافية المشتركة.


يروم المثقف العربي ناسجا على منوال الحاكم العربي احتكار القيمة التاريخية لنشاطاته، لا يجوز أن يقتسمها مع أحد. سؤال حارق يستبد بأفكار المثقف أو الحاكم العربي، فهما يتقاسمان نفس المبادىء أو الدوافع السلوكية : " هل يمكن أن أترك للأجيال القادمة جزءا من المجد الذي أشارك حاليا في خلقه؟ الأكيد أنهم لن يتذكروني تاريخئذ ". ينسى صاحبنا العربي سواء المثقف أو الحاكم أنه يرتكب خطأ وخيما، المجد المنظم أي المرتهن بمشروع نهضوي تطوري قلادة غير منتهية، لكل فترة تاريخية حلقات محددة يجب أن تنجزها، و حينما يطمع الانسان الى تركيب الحلقات قاطبة، فإن شعورا واهما ينتابه في تلك اللحظات المذنبة، و هو شعور الاستحواذ على القيمة التاريخية للمشروع الذي ينفذه، لكن الواقع أنه يدمر الحلقات التي ركبتها الأجيال الماضية. باستطاعتنا أن نسأل فلاحا صينيا تجاوز عمره مائة عام عن مبتغاه إثر زرع نبتة جديدة ، سيجيبنا بتلك الحكمة الكونفوشيوسية العتيدة : " زرعوا فأكلنا، و نزرع فيأكلون".


قضية العجز العربي الثانية تتراءى في انعدام الاستطاعة لرسم سياقات ثقافية مبنية فوق قيم مشتركة. يقول المفكر البريطاني الكبير برتراند راسل : " لا تخش أن يكون رأيك شاذا اليوم، فكل رأي مقبول اليوم، كان شاذا يوما ما ". مشكلتنا أن لدينا رأيين فقط تتوسطهما منطقة زرقاء تتصرف دائما بمنطق الضحية، فالعالم الثالث بالنسبة إليها مشتل للمؤامرات الغربية، لكن سكان هذه المنطقة يتغافلون عن كون ما ينافحون عنه نصف الحقيقة أو أقل منه . إن نجاح السياسات الغربية في الشرق لا يفسر بالمحتوى السلبي لهذه السياسات فحسب، و إنما يفسر بانسجامه مع المؤثثات الذاتية و البين-ذاتية الموجودة في الشرق، فنجاح أي سياسة يقتضي توفر وسط ملائم لها، و نجاح الغرب في فرض رؤاه في الشرق راجع إلى امتلاء هذه المنطقة بموارد بشرية قادرة على حبك المزالق لبعضها البعض و قادرة على ممارسة غزوات الحجون بتفوق و اجتهاد. و غزوة الحجون تتألف في الواقع من غزوتين : غزوة وهمية يقوم بها المثقف أو الحاكم أو المواطن العربي اتجاه الغرب باعتباره منبع الاستنزاف، و هذه الغزوة الوهمية إنما تهدف إلى مواراة الغزوات الحقيقية التي يتبادلها العرب فيما بينهم عبر مختلف المجالات المتصورة و غير المتصورة.


لكل هذه العيوب الفريدة القاطنة في أغوار الذات العربية، لا يلام مؤسس علم الاجتماع العلامة عبد الرحمان بن خلدون حينما وصف العرب في الفصل السادس و العشرين من كتابه العالمي " المقدمة "، و هو وصف استباقي، يوضح النتيجة الحتمية للتصرف الزمكاني العربي ، و الأكثر مدعاة للانتباه هو أن الوصف الذي كتبه ابن خلدون منذ مئات السنين، يلائم المشهد العربي الراهن بمعنى أكثر وضوحا ، فإن العقل السياسي العربي الممارس للسلطة لم يطرأ عليه أي تغيير نحو الأفضل، فمواصفاته قبل قرون هي نفس مواصفاته في الوقت الحاضر ، يقول ابن خلدون : "...و أيضا فهم متنافسون في الرئاسة، و قل أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره و لو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته، إلا في الأقل و على كره و من أجل الحياء، فيتعدد منهم الحكام و الأمراء ".


إن العرب جثة ساكنة، تبرع بها صاحبها قبل مماته الى المختبرات السياسية كي تطبق عليها مختلف النظريات لاستخلاص فوائد تنفع البشر الأحياء. و قد برر صاحب الجثة ما قام به في السجل التعريفي المرفق بالجثة، إذ أكد للعالمين أنه أهدى جثته الى المختبرات السياسية تكفيرا عن ذنبه الثقيل، فهو كان أحد لصوص القمر.

16 أغسطس 2010

حنجرة الضمير المغربي


http://www.safara.com/images/ghiwan.jpg
لكل أمة رمزها الثقافي الأسمى الذي يجسد هويتها و خصوصيتها أمام مختلف الثقافات التي يزخر بها العالم. لا شك أن ربط الثقافة بالتاريخ موقف جزئي، فالثقافة مفهوم مركب يشتمل انجازات مجموعة بشرية ما بدلالة الزمن تقدما و نكوصا.

إذا اعتبرنا الحدوث الثقافي مستقلا عن الدين، فإننا نمنحه في هذه الحالة بعدا بشريا بحتا، غير أن المناطق التي وصل إليها الاسلام تتسم بتداخل وشيج بين الممارسات الدينية و الاجتهادات الفردية و الجماعية الملحقة بها من ناحية، و بين منظومتها الثقافية من الناحية الأخرى. إن الثقافة ليست مكونا هوياتيا ماضويا، هي كل التفاصيل التي ننشىء منها المعتاد اليومي.

فصل الثقافة عن الماضي لا يحرمنا من التأكيد على الأهمية العليا التي تكتسيها الفعاليات الثقافية المتصلة بالجذور و التقاليد و الفلكلور، و هذا الانجراف الانطباعي الخلاب هو الذي يحيلنا الى التجربة الفريدة التي اختطها ناس الغيوان منذ مطلع مشوارهم الفني المتألق، هؤلاء العمالقة الذين انطلقت أسطورتهم من الحي المحمدي الكائن في قلب الاعتمالات الشعبية لمدينة الدار البيضاء.

بدأت المسيرة العريقة بحلقات غنائية تمتح من الميراث الثقافي المغربي الثري و ما لبثت إلا قسطا قليلا من الوقت، قبل أن تحقق انفجارا ثقافيا ما زالت ارتداداته توحد الذوق المغربي، بل إن هؤلاء الفنانين الوارفين يسمحون للقارىء المتأمل في سجلهم الفني الحافل بصياغة مفهوم جريء : " الذوق الجماعي " و اعتباره مقياسا مضافا لدراسة النشاط الفني عن كثب، أو للحديث، رغم صعوبة هذا التوجه التحليلي، عن نجاحه ( النشاط الفني) أو اخفاقه عبر اكتسابه لقيمة تاريخية/واقعية متجددة.

السؤال الأكثر الحاحا : كيف تمكن رجال منبثقون من رحم الحياة الشعبية المائرة و باستعمال آلات موسيقية محلية من توحيد قلوب جميع المغاربة ؟ سؤال آخر لا يقل ثقلا عن الأول : كيف تمكنوا من تجديد صفاء المكانة التي يملكونها في وجدان كل انسان مغربي؟ إنه الارتباط الوثيق بتقاليد هذا الشعب العريقة، موشحات الفلكلور المغربي التليد ، القول الحكيم المأثور، الآمال و التطلعات، التربية و القيم، التوعية، الانتصار للقضايا العادلة...كلها مواضيع احيائية تطرقت اليها أغاني ناس الغيوان البديعة. دون نسيان التصوف التعبدي و الحس الثوري الراغب في انتشال الوطن من أحزانه.

لقد أنشد هؤلاء العمالقة باخلاص متطرف نتلمسه في عمق و أصالة الصوت، و قوة المشهد ، و نزاهة الكلمة. أثقال المواطن المغربي و معاناة أفريقيا تحت الاستغلال الغربي الشرس و الاحتلال ، كلها صور التقطتها الذاكرة الجمعية رفقة البلابل المغردة.

كل هذا المسار الساطع كتبه بمداد الألم الأمل حملة الرسالة الفنية المغربية التي انتصرت على التقادم، إذ ما زالت مقطوعات ناس الغيوان تحظى باقبال رائج من لدن المغاربة مهما تكن أعمارهم و انتماءاتهم العرقية و الفكرية، و علام الاستغراب، فهؤلاء العظماء وضعوا التعريف الأمثل للفن الخلاق، عندما جعلوا منه بحق و بتواضع : حنجرة الضمير المغربي.

15 أغسطس 2010

ما تبقى من مثقف عربي

دلف إلى غرفة مكتبه…

طفق يبحث عن نصوص سردية…

و كلما عثر على أحدها وضع جردا للأفعال اللازمة و المتعدية. أنفق ساعات قليلة قبل أن يدرك أنه غدا كمية معرفية أنهكها مشوار علاج رجيم بين اللازم المتشدد و المتعدي البوهيمي.

لا يكتب لتحقيق أحلام ذاتية راودته منذ زمن يجهل منبعه و مصبه، لا يكتب عن الغموض القاتم الذي يلف ما كان ينطقه ممتلئا بآمال محروقة، القناعة الوطنية…التقويم التاريخي…المصير المشترك، كلها متفاعلات يشاء الواقع الكئيب أن تغادر نطاقها الموضوعي السليم لتتحول إلى كائنات تتلاعب بها ارتطامات المزاج و الوجدان.

يبنون على الأرض، و هو يبني في الهواء، منحوا الأولوية لمعالجة مشكلات الانشطار الذاتي قبل ايقاظ تطلعات انجاز وحدة موضوعية ما و هو يكتب بلا تثاؤب لمشروع أنجزته فكرة بسيطة تنتمي الى حق انساني كوني لا سبيل الى مصادرته بغير العنف المادي الوخيم، يريد وطنا، لا يفصل مقاساته أحد، يريد وطنا يبادله الاحترام و العطاء بمازوشية و سادية متكافئتين؟ لا. يريد وطنا يصله به نسيج من التساهم و التكافل في كل شيء. في المحصلة مطلبه واضح الملامح : وطن يقول له في لحظات يقظته و سكره : إني أحبك بلا تبعات، بلا تداعيات…يقولها بسلام…تحملها نسائم المواطنة إلى كل الأجزاء.

كن لازما أو لا تكن…كن متعديا أو لا تكن…

هكذا يصرح الواقع الصارم، لا وجود لمفاضلات أو اختيارات توافقية…و لم التوافق؟ هل التوافق مع الشيطان يمنح للوطن تقدما؟ ربما…فالوطن يبقى مجموعة أحلام انتهازية يعوزها الانسجام…لقد طارد أحلامه على حدة…يحاول جاهدا الامساك بالحلم بمعزل عن الحلم…حالما يساوره شعور الوصول إلى حلم، يتذكر بسرعة أنه نسي حلما آخرعند بداية الطريق.

هو حلم واحد…موضوع واحد…بتجليات متعددة…هذه هي الحقيقة التي ما زال يرفض الايمان بها.

اختتم رحلته السوريالية بطي ورقة الحلم و ترتيبها بين صفحات كتاب مهجور.

14 أغسطس 2010

ارتسامات الهزيع الأخير

https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhAa8vlyeAmlurhFSXiyHl1MAmdp0e6FR6gC92l4xTnm7h6JiKIXa3VSy61Lor1ujxECJ3DJllstDweEjJBdlcyl8F-kheLa7vBHA2GyQUMYwaUqwTmTcAb3SaXnzHoekG7nzaYnOPunViF/s400/l'amour.jpg

عندما ننظر مليا الى نقطة الالتقاء بين السماء و صفحة البحر الزرقاء، تنتابنا الكثير من الارتسامات المتلاطمة، نفكر بامعان و نستعيد مشاهد قديمة.


السفر عبر نقطة الالتقاء يبعث على الاطمئنان، و يخط بهدوء إحدى أروع صور الوجود، لكننا لا ندرك في غمرة تلك اللحظات السعيدة أن ما نراه مجرد وهم، فالسماء و البحر غير قابلان للتلاقي، لذلك ، يجب أن نقول لأولئك الذين يزعمون بالحاح أن الحقيقة تنثر الاطمئنان، إنهم مخطئون، فالوهم مصدر للاطمئنان أيضا. إذا كان كل من الوهم و الحقيقة ينشران الخوف حينا و الاطمئنان حينا، فكيف يمكن أن نعثر على الخط الفاصل بينهما.

عبثا نلهث خلف الفصل الشراحي بين المفهومين بمختلف تشكلاتهما الملموسة، إذ تساورنا فكرة خاطئة مجددا تربط بين الحقيقة و الواقع، للذين رحلت تأملاتهم صوب هذا الاتجاه في هذه الأثناء، أقول بكل اختصار : البحر و الشمس و الغروب و التلاقي أو اللا تلاقي، كلها كائنات واقعية.

لكل واحد منا حقائقه و لكل واحد منا أوهامه، و مقياس تقبلها لا يرجع الى الحقيقة بحد ذاتها أو إلى الوهم بحد ذاته، إنما يتصل اتصالا وشيجا بالمحتوى الجمالي، إذا كان الوهم جميلا فإننا نتقبله، و إذا كانت الحقيقة جميلة فإننا نتقبلها، بل إن الحقيقة كما هي تكافىء الوهم الجميل. إذا قمنا بجمع كل الحقائق الجميلة، فإن وهما جميلا واحدا سيكون أجمل منها دون ريب مثلما يكون وهم سيء واحد أسوأ من كل الحقائق السيئة.

لقد أوهمتني أنك تحبينني، و آمنت بهذا الوهم، تسلل الى ترتيب مكونات المعتاد اليومي، غدا كياني ، بحيث لا أكون أنا إذا لم أستشعر وجوده في كل صوب أوجه ناظري إليه و في كل فكرة تشق طريقها الى ذهني.

أتقنت صناعة الوهم...بيد أنه كان وهما جميلا، و بذلك يكون أجمل من كل الحقائق الجميلة.

04 يوليو 2010

لهيب الثلج

http://www.alrai.com/img/142000/142081.jpg

- 1 -

رمقتها من بعيد ..


- 2 -

قبل أن تدخل الى المقهى تبدى لي شبح امراة وديعة...ذكية...جلست الى مائدة مرتبة سلفا...كانت ترتدي قميصا كلاسيكيا يتيح للناظر السفر عبر تفاصيل جسدها...


- 3 -

نادت النادل...لم استطع التقاط هوية طلبها...عاد بسرعة و وضع كوب مستخلص التفاح و قد اعتلته ثلاث مكعبات ثلج...احتسته ببطء جديد...و وزعت نظرات لا مبالية على محتويات المقهى...لم تعر أي تفصيل ادنى اهتمام


- 4 -

عندما غادرت...تراءت لي مكعبات الثلج ذائبة.. فأرسل سؤال صخبه الى ذهني :
ترى ما الذي ذاب حقا في تلك الكأس المسكرة؟ أ هي مكعبات الثلج
أم هو قلبي؟

23 يونيو 2010

مدينة الجثث الزرقاء

الشعب يهتف على جنبات الطريق
يقرأ مرعوبا...
كتاب الولاء
في مدينة الجثث الزرقاء

يمر موكب الصنم سريعا
هتافات هنا... و هناك
و عبرات متقطعة بين الحين و الحين...
في مدينة الجثث الزرقاء

يحطم الصنم الصنم
يتوارى التاريخ...
و الشعب يهتف على جنبات الطريق
في مدينة الجثث الزرقاء

تطارد المقصلة الكلمات
سياط... و شواظ
أنصاف أجساد مازوشية
في مدينة الجثث الزرقاء

أفكار شاردة..
ثلاجة انتظار..
مذكرات أفكار باردة
في مدينة الجثث الزرقاء

أوراق مترنحة...
شاحبة اللون...
أبى الخريف أن يصادرها
في مدينة الجثث الزرقاء

المرأة مجددا

تأخذ المرأة داخل النسق الاجتماعي دورا حيويا، تبقى فاعليته مجرد اشتقاق لأهميتها البيولوجية المتيحة لاستمرار النوع البشري. و قد تسرب الاعتبار البيولوجي إلى أعماق الكتابات الأدبية المعاصرة التي ربطت المفهوم الجديد للابداع بالقدرة على استدماج الحالة الإيروتيكية وفقا لمستوى المسموح به ثقافيا و مستوى الشجاعة الأدبية، و الانسجام بين المستويين ينتج المنحى البوهيمي الخاص بكل مجتمع على حدة، بل إنه يحتضن مقتطفا هاما من خصوصية المجتمع إلى جانب اللغة و التاريخ و الدين و غيرها من المحددات الكلاسيكية لاختلاف المجتمعات على الصعيد العالمي و وحدتها الرمزية أو الضميرية في اطار الانسانية.

لم يعد للأصل التاريخي لبروز دور المرأة أهمية تستحق الايراد، فقد تمكنت من فرض نفسها عبر الانخراط الفعال في مجريات المعتاد اليومي، و إذا حظي الرجل بكل فترة ما قبل القرن العشرين اجمالا للبروز كصانع للحدث، فإن المرأة وصلت الى نفس الانجاز من خلال استثمار خطأ الذكورة التقليدي المتمثل في اللجوء الى أشكال متنوعة من العنف لايقاف اصطدام الآراء و الاقتناعات. لقد كتبت في مقال : " الحب و الجنس...و أشياء أخرى" تلخيصا حماسيا ذا تأويل تاريخي للحظة انتهاز التاريخ المقرونة في نظري بالميلاد القانوني و السياسي للمرأة، إذ بادر المجتمع الى الاستعانة بها لسد الفراغ البشري التقني و العددي الناجم عن الارتفاع المهول في نسبة الذكور القتلى. ما وجه الاثارة في هذا القول؟

إنها الحرب و تداعياتها...توقظها امرأة، لتستفيد منها امرأة، في عالم الروايات و السرديات القديمة، لكنها (أي الحرب) في النطاق السياسي و القانوني ممارسة متكررة التصقت بالحسم في الحربين الكونيتين، و نقلت المرأة إلى المكانة التي نلمسها اليوم و تحديدا لدى الغربيين مع الاحتفاظ طبعا باٍستيطيقا الجمال (أو الفروسية على الطريقة الملكية البريطانية في الثقافة كما في الحياة الدستورية) التي تحبذ من الرجل أن يلثم يد المرأة سواء خلال قرون سلطة الذكورة أو في عهد التحرير الأنثوي الراهن. إنها قوة الرمز و التي لا تمحوها الاصلاحات أو التراجعات كيفما كانت قوتها الراديكالية.

لقد أعلن التيار الأنثوي (الفمنيزم) فتح نقاش سلوكي حضاري طويل، قد يستلزم ضمن إحدى فقراته المستقبلية تنفيذ المرأة لأساليب الاضطهاد التي تعرضت لها في الزمن الغابر و التي لا تزال تتعرض لها في أغلب مجتمعات المشرق حيث تتكاثر النزوات القبلية و الأوليغارشية المنحطة و التي تعود مسؤولية استمرارها الى مزج الخصوصية الثقافية و الوطنية باقتضاءات الدين الاسلامي المستوحاة من النص الشرعي القائل بأن الاسلام مبعوث للبشر قاطبة و المتناقضة مع التوسع الجغرافي الذي استخدمه المسلمون لتبليغ رسالة الله.

إن الحرية الممنوحة للمرأة و مساواتها بالرجل لا تعد مقياسا للديمقراطية سياسيا و قانونيا، و لنا في مسار "أيديولوجيا التقدمية (القومية) العربية" مثال واضح. يجب أن نعتبر المساواة حقا مدنيا اراديا كي نتلافى مأساة تبادل الأدوار التاريخية و الخصائص النوعية للجنسين. و مهما تكن النتائج الأخلاقية لايلاء المرأة موقعها المناسب، فالفائدة العملية و الموضوعية التي يحققها المواطن تظل معيار استحقاق تقديري ( فالجميع متساوون قانونا) و الذي يستجيب لهذا المعيار هو أحد مرشحي النخبة لوضع منظومة القيم المشتركة

الحب و الجنس و أشياء أخرى

حين نتساءل عن مركز الانجذاب بين المرأة و الرجل، نرتدي قميص الواعظ الراهب، ذلك الانسان الذي اختار رؤية منمطة للكون فغادر ضجيج الحياة و صخب الواقع إلى صومعة معزولة كي يمارس داخلها انهزاميته. بالنظر الى العشوائية الخلابة التي تتسم بها الرومانسية فالتساؤل عن الانجذاب المتبادل يعتبر تقليديا و رجعيا. فالحب ليس كائنا موضوعيا مجردا يفرض قواعد عامة و إنما يعد مزيجا من الاستثناءات المتشابهة و المتباينة في نفس الوقت.

الوقوع في الحب من خلال كافة أشكاله لا يهتم بماورائيات الوقوع، أي يحاول تبريره، بقدر ما يعكس ترجمة تلقائية لتقارب ما و هذا التقارب لا توجد قوة في الكون المعروف للإنسانية تستطيع أن تقتطع الجنس منه. من يفصل بين الحب و الجنس كمن يفاضل بين العقل و العاطفة و إلى أي منهما يؤول التحكم في تصرفات الكائن البشري. الحب في معناه الجنسي و اللاجنسي الذي يعد امتدادا زمنيا للمعنى الجنسي أفضى الى ابداعات رائعة ((( و المقصود بالابداع سياقا ليس الكتابة فحسب بل جميع الفنون الجميلة))) يخطىء من يصفها بالبوهيمية أو الرومانسية، لأنني لم أجد لها من الأوصاف ما يلائمها أكثر من وصفها بالأدب الواقعي.

هل نستطيع أن نقنع أفكارنا بأن تعابير ذات أصول جنسية تنطوي على الخصوصية الابداعية للفترة المعاصرة؟ لن نحتاج إلى مقتطفات نوعية لأننا في هذه الحالة نرغم أنفسنا على ايلاء دراسة فاحصة للكتابة الأدبية التي رافقت تزامن القرن العشرين مع التغيرات الديمغرافية التي ألحقت المرأة بالحياة الحقوقية و السياسية. كثيرات هن من يعتقدن أن الحصول على ما يعرف بالمساواة بين الجنسين نتيجة منطقية لمسيرة كفاحية، يتوجب عليهن أن يدركن أن همجية الحربين العالميتين قتلت الملايين من الذكور فلم يكن بمقدور المجتمع سوى أن يلجأ إلى بديل مؤقت هو المرأة و لو كان يوجد بديل آخر لما توانى في الاتيان به، المساواة اذن مطلب تحقق فوق جماجم بني الانسان واستفاد منه كائن وحيد هو المرأة

لا شك أن أغلبيتنا تعتقد أن المعاناة و الحرمان يؤديان الى ايقاظ الادب الواقعي، لكن نفس الأغلبية ترفض أن تدرك أن الرومانسية إذا ما اعتبرناها نقيضا للواقع تجعل من اشباع الرغبات غاية، و أحيانا تستخدم الخيال لايهام نفسها بأن الاشباع قد تحقق و تستمر الحياة في المحصلة النهائية. كثيرون سيمتنعون عن تأييد هذا الكلام، لأنه ينطق بالحقيقة و آخر شيء يمكن للإنسان أن يطيقه هو الحقيقة بل إنه يفعل أي شيء للتشكيك فيها، فالتشكيك هو ما يريحنا في الحقيقة، و ليس الحقيقة

يجب أن نفهم أن لا أحد باستطاعته أن يوقف الانعكاس الابداعي للجنس المرتهن بعلاقة عشق، فالجنس وجد منذ القدم و لم تستأصله كل المحاولات الدينية و الأخلاقية. علينا أن نحاول الارتطام بالحقيقة فلا معنى للبحث عن الذات في المرآة كلما أردنا الانطلاق في موعد عاطفي...فالآخر هو المرآة الأكثر صدقا دائما و عبر علاقاتنا به نربح رهاناتنا أو نخسرها...باستثناء إن كنا نبتغي أن نبني وسيطا بيننا و بين الآخر على شاكلة الجماد في حالة المرآة و على شاكلة الأصنام في حالة الذين رفضوا الايمان بالله مباشرة.

01 يونيو 2010

خبز الله المر

ما من امرىء يتحدث عن الماركسية، إلا و حبة البرتقال تكاد تفجر رأسه، بل إنه يفرط في تناول المنبهات كي يتأكد كلما اختفت لحظة ما أنه لا يحلم، و بين الحين و الآخر، يتابع أخبار حالة الطقس إذ قد تسوء بغتة.

قد مات لينين، و أشهر السوط المخيف ستالين، ثم أعلن التمرد تروتسكي اللعين.

كانت موسكو تندب حظ البلد الأمين، و إذ تناهى الخبر اليقين، إلى الثقلين أجمعين : تحدث الراوي و العهدة عليه، أنه أبصر العم فيديل الشيوعي الملحد يرفع أكف الضراعة إلى السماء ينشد الغوث بعد أن عجز عن اقناع محدثه بجدوى الماركسية

و حيث أن الشمس لا ترى عند منتصف الليل، و زرقاء اليمامة حينما أنذرت النيام حربا شعواء كانت تدرك ما العواقب، فقد صرح الثعلب بما لا يبقي للذئب مجال المناورة.

و أتى الثائر يحمل ورود الياسمين مرحبا بالعلاقة الحرام بين الاشتراكية و الديمقراطية، و نادى الثائر في الجموع أن الخوصصة أو الخصخصة أي بيع الوطن قطعا متناثرة و بالتقسيط هي المعبر الأنجع نحو الحياة

اليوم، بعد أن غدت الكلمة أجيرة، و الظلال المشوهة لمباني كبار الملاكين تسيطر على الأفقين الأخضر و الرمادي معا، كان زعيم الشركة المفعم بالرأسمالية يدخن سيجارا شيوعيا أرسله إليه عبر البريد المضمون الكاتب المتأمل فيديل...

حينما يرسل الشيوعي السيجار الى الرأسمالي، فأدرك يا بني أنك فخذ الدجاجة في مأدبة اللئام

إنماها اللعنة تحيق بالأوراق اللائي لم يسقطهن الخريف

28 مايو 2010

ذات المزاج الارجواني

تقديم : كتبت هذه النثرية باللغة الفرنسية، لكن عينيها البلوريتين رسمتا بهدوء الارتسام المائي، فإليها ، إلى شغب الطفولة الذي يكتنف روحها العذبة، إلى أفكارها التي لن تتوقف عن نحت الجمال ، قلبي وجود صاخب، و أثقاله حروف العشق


تمضي اللحظات تباعا

لا أستألف إلا الألم

على النقيض من المنازعة المزيفة

فقد مارسنا صلاة العاشقين

تسامينا فوق الحب

ارتقينا كل مفاهيمه المهيبة


إني أعلن عشقي المتطرف ، العنيف

الصاخب، النقي ، الصادق

هل تذكرين ليالينا السعيدة؟

كان المساء و القمر

ينشدان خاشعين

نشيدهما الأزلي


صدقيني ، عذريتك تتجدد

لم تتوقفي يوما عن نحت الجمال

تنسجين لي بقلب خلاب رداء السعادة

استبدت روعتك الفاتنة برحلات خيالي

ارسمي أروقة مصيري

فوق رمال شاطىء مشاعرك السخية


تأتي موجة مستاءة

تليها موجة هادئة

تحمر خجلا صفحة الشمس

و إذا ما رنا البحر الى قبلة

تبقى رسومات أناملك

فوق رمال الشاطىء

26 مايو 2010

حديقة الأحلام

هل تعلمين لماذا أحب كل صباح من حياتي؟

لأنه سيكون ممهورا بخمر شفتيك

::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::

الارتواء من العشق يتناهى الى الابداع، و الظمأ إلى العشق يتناهى الى الابداع، لافرق بين الحالتين المتباعدتين قسرا، كلتاهما تتيح الافراج الذاتي.

هل العشق يحتاج الى الانطواء الذاتي؟

لا أدري، كل ما أستطيع تأكيده أن العشق يحرق الذات، يلسعها، لكنها تستمتع بمازوشيتها، و تستمتع بساديته.

و مهما يكن الموقف من مكابدات العشق، فإن قطبي اللزومية و البوهيمية حاضران بقوة، و بينهما و أحيانا خارجهما يرتسم مآل هذا الشعور المفعم بالمتناقضات، الذي يستبد بالانطباعات قبل أن يتحول الى كائن عضوي لا يموت، نتلمس وجوده في أغوارنا، يحتكم الى المزاج إذا واجه المرآة، و تفحص ملامحه، لكنه هو هو ، روحه مستقلة، متمردة، رغم أنها ترفل في الاستقرار منذ أن ابتسمت. في غمرة المواجهة، تعكس المرآة الابتسامة، و تتلاشى زخات المزاج الرديء.

تمسكت بسيرة المسافر اللاجىء منذ أن قدمت مشاعري استقالتها لي ، ثم اتشحت الأنوثة في عيني بالرتابة، ثم ألقيتها الى زنزانة الكياسة ، ألتقيهن مع مطلع كل يوم، لم يكن سوى أشياء جديدة أرتب بها مكونات المعتاد، و قد يكن قطع تزيين، و قد يكن شتائل مختلفة أتقدم بها الى حديقة الأحلام، يبدأ الازهرار، و تخضر الآمال، لكن النهاية متطرفة في الايمان بتشابههن، فأبادر الى تأثيث مكونات الذاكرة مجددا، قبل أن ألقي بهن الى زنزانة الكياسة أو متحف قطع التزيين المتكسرة.

شعار زنزانة الكياسة أو جمهورية الكياسة هو الاحترام فحسب.

لكل رجل حديقة أحلام فسيحة، تنبت وردة واحدة سرعانما تملأ كل نظراته الى حديقته الخاصة ، و ينتابني دائما ايمان سرمدي بكونك هذه الوردة الفاتنة

حديقة فسيحة تتوسطها وردة واحدة، هي أجمل حدائق الأحلام ، لأنها تتألف من وردة واحدة.

إنها حديقتي أحلامي الخاصة، إنها وردتي...إنه قلبي العاشق

13 مايو 2010

قطعة الفلين

قطعة الفلين اللعينة أول حاجز أمام الحقيقة

أخلاق المحارب تتسم بالصرامة، إذ يتوجب عليه الالتزام بها إلى أن يغدو روحا بلا جسد. يرفض الانتماء الى نوعية الأشخاص الذين يتحدثون باسهاب عن الأخلاق دون مراعاتها. أداء الواجب، تنفيذ الأوامر، المحافظة على أسرار الفصيل، قواعد جوهرية يقدم المحارب حياته من أجلها إن اقتضت الظروف. هل يتساءل عن علاقة أهداف رؤسائه بالخير؟ عليه أن يتقيد بالضوابط.

في شأن أخلاق المحارب التي ربطتها الأساطير الاغريقية القديمة بالخير و البطولة و الصلابة، يرى ألبرت آينشتاين أن الجنود ليسوا بحاجة إلى الدماغ، مهامهم تتطلب التوفر على نخاع شوكي متطور يؤدي وظيفته المنحصرة في رد الفعل بمهارة عالية. داخل الصراعات الدائمة بين آلهة الاغريق، كان الطرف الثالث أو الأداة متحصلا على أهمية بالغة، فالملاحظ أن الصراعات المباشرة بين الآلهة غير موجودة إذ أنها لا تقبل تنفيذ واجبات الفنيين و الرسل. إذا احتاج إله السماء زايوس إلى ترتيب حسابات ملحة مع إله الشمس هليوس، فسيعين مبعوثا يزوده بالقدرات الخارقة له و لحلفائه و أنصاره و لن يقوم بنفسه بالاجراءات العملية، إذ أن أبغض الأوصاف لدى اليونانيين القدامى الأنانية المفضية دوما الى العبث الغريزي، كما أن القتل غير المشروع و اقتراف السلوكات المسيئة للمجتمع تلاحق الآلهة مقترفيها.

المحارب ليس اسم فضيلة، يجوز له استخدام الشرف و الخداع من أجل الاخلاص للأوامر الموكولة إليه، كما أنه ليس صفة مثالية تشير الى التمرد على أشكال الظلم، قد تكون اشاعة الظلم إحدى الوسائل التي يستعملها المحارب لفرض ما صور له خلاصا للبيئة الفكرية و الاثنوغرافية التي ينتمي إليها. قد يبدو القول إن الانسان يجسد مجتمعا بالنسبة لأخيه الانسان متحليا بالشاعرية، غير أن نظرية الاجتماع التي تتطرق الى الظواهر المصاحبة للتفاعل الخارجي بين الأفراد، و التي تفضي إلى تكوين مجموعات موصوفة بالتناغم الداخلي و مساهمة في ايجاد مجموعات بشرية غير متجانسة، كرست للفردانية، فالفرد الواحد هو نفس المجموعة البشرية التي تكونت بفعل أفكاره و اعتقاداته و التي لا يمكن أن تكون مجموعة قائمة بذاتها إلا إذا زعمت أنها المالكة الحقيقية للصواب المطلق أو للشطر الأكبر حجما من الصواب.

نظرية المحارب التي وضعها سان سيمون و و من بعده إنجلز و ماركس تمنح للقوة التي أسستها الجماعة ( الدولة ) الأولوية و الاحتكار في السيطرة على الانتاج، بيد أن سان سيمون يبدو أكثر ايمانا بالصواب الجماعي المطلق الذي تمثله أفكاره حينما يدعو إلى تحويل ارث الأشخاص الهالكين الى الدولة و ليس الى الورثة. أوجست كونت تلميذ سان سيمون يستدرك الانفعال المثالي الذي يتسم به موقف معلمه و يدعو الى التحلي بخصلة الايثار كغطاء لدعوته الى تنميط الفكر و توحيد مناهجه أي ممارسة القمع السلمي قبل الانصراف الى اشكاليات التقدم و التنمية.

القمع السلمي المخفي بقناع الايثار أسماه محارب اجتماعي آخر هو الفرنسي اميل دوركايم التربية، فالتربية في معنى خلق التجانس بين المكونات المجتمعية و خصوصا من خلال الذاكرة الجمعية ( أحداث تاريخية مشرفة، مشتركات دينية و لغوية ...) هي الأساس الذي يتيح بناء مجتمع منظم وفق مشتركات موضوعية محمية بالقوة الجماعية و هذا الوصف ينطبق على مفهوم " الدولة ". إلا أن المجتمع لا يختلف عن طرفي الفكرة، يوجد مرسل و يوجد متلق، يوجد الفرد الخلاق و يوجد الفرد المتلقي، و يوجد طرف ثالث هو الطرف المتلقي لكن الممارس للتأويل و الذي يعطي لواضع الفكرة دور الخلية الأم أثناء تطور نسيج خلوي حي.

الرونن هم فرقة من مقاتلي الساموراي بلا قائد، إذ فقدوا رئيسهم، و تفاديا للعمل لتحقيق مصالح شخصية أو الانتماء الى قائد آخر، فضلوا طريق الشرف و الأسطورة فمارسوا طقس الانتحار الجماعي.

المحارب الآن جالس إلى منضدة مع خبير محنك في سموم الأفاعي، و بينما كان حديثهما مركزا على تشويق مشهد الغروب داخل هذه المنطقة المليئة بنوع فتاك من الأفاعي، أخرج الخبير في سم الأفاعي قارورة صغيرة تحتوي على سائل يشبه الماء و وضعها وسط المنضدة ثم قال لجليسه :

- إن كنت تثق بي اشرب الماء الذي يتواجد داخل هذه القارورة.

هذا المشهد يجسد إلى الآن أخلاق المحارب و علاقة الأخلاق بالتطور العلمي المتواصل كما يجسد أساس النزاعات العالمية لأنه المشهد الموجود داخل كل واحد منا...فأزيلوا أصابعكم المبللة عن قطعة الفلين و دعوها تطفو...فالأشياء المصنوعة من الفلين لا تغرق في الماء.

12 مايو 2010

تأملات مثقف

- القارىء و الكاتب : من يقرأ لمن؟

إن الحافز الأساسي الذي يدفع صاحب فكرة ما إلى مناقشتها مع الأغيار هو ادراكه الإنطلاقي لامكانية فهم الفكرة من لدن المتلقي أو العينة الإجتماعية المستهدفة.

التفاعل المرتكز على مبدأ الإستفادة والإفادة المتبادلتين و احتمالات الإصلاح أأمن مسار يحجز نشوب الصراعات الحادة بين طرفين أو مجموعة أطراف مختلفة. الصراع عملية منتجة، لكنه يبقى المدخر الأخير، فمن غير المسؤول أن يوصف أي نوع من الصراعات الفكرية (المادية كما اللامادية) بالعبثي. شراحيا، بنية الصراع تتسم بوجود ثلاثة مكونات رئيسية: طرفي الصراع و الحليف، و بالنتيجة يكون موقف العبثية صادرا من المنهزم أو أحد حلفائه و يكون أيضا موقفا غير شرعي نظرا لانعدام عنصر الإجماع الغائب في كل تقييم انساني لأي شكل من أشكال الصراع. رهانات الصراع ليست مرجح النقاش، إنما أريد أن أقول إن الصراع أحد أصناف الروابط التي تتركب بين الكاتب و القارى فحسب، باعتبار أن خلق الإنسجام بينهما أمر صعب.

تفاديا للإسهاب في وصف أنواع العلاقات التي يوجدها الفكر بين المعطي و المتلقي (لا ننسى دور آلية الحوار في خلق فعاليتي التلقي و الإعطاء ) فإن الكاتب يضع ذاته أمام الأفكار التي يعي أهمية وصولها إلى القارىء، فيكون بنفسه معطيا و متلقيا في نفس الوقت .

إن الكاتب هو أول قارىء ناقد لنصه، و هذا نوع آخر من الحوار، نظرا لتشكله من انسان وحيد و نظرا لكون فعاليتي التلقي و الإعطاء متزامنتين يسمى مناجاة أو مونولوجا و هو في عالم الفكر، حسبما يبدو لي ، محدد جوهري لمدى نجاح أو إخفاق الحوار.

توجد عوامل ثانوية تشارك في تكثيف الخطاب الفكري و توجيهه بسلاسة للحوار النقدي بين المهتمين وتحديدا في القضايا الإستراتيجية، تتضمن هذه العوامل الثانوية : اللغة و الخلفية المعرفية و التاريخية و الوجدانية، بيد أنها تظل أقل أولوية من عامل ممارسة الكاتب للقراءة النقدية ( وفق المستوى الممكن للتصورات المتعارف عليها لمفهوم القراءة النقدية) على كتاباته لتمكينه من رسم احتمالات كبرى عن حجم وخصوصية التفاعل الذي سيقع بين القارىء و مضمون النص

الكاتب والثوابت

التحدي الأساسي الآخر و الذي يعترض مسيرة الكاتب أو المثقف بصورة شاملة، يتكثف في كيفيات مناقشة الثوابت (أو القيم و التصرفات المحروسة من قبل المجتمع) واخضاعها دون ضجيج مهما كان نوعه للفحص الدوري بدلالة المتغيرات.

إن الخصوصية الثقافية لكل مجتمع على حدة هي التي تخلق الأصول و الثوابت ومن الواقعي أن تتأثر الثوابت بحركة البيئة الثقافية(انسجام نسبي بين النخبة و القاعدة حول الزامية التغيير)و الأنثروبولوجية ( التغيير ارادة ترومها النخبة) التي تنتمي إليها.

على النقيض من الفعاليات الفنية و الأدبية المتسمة بالمرونة و امكانية الاحتماء بالرمز، فإن المثقف في قضية الثوابت مقيد باتجاهين منطبقين : اعادة التأكيد على صحة الثوابت أو تبني المحاولات الإصلاحية التي تقترض مرتكزاتها من التحولات الطارئة على الوسط الثقافي المنطوي على الثوابت ، و الهدف هوالمحافظة على تناغم الثوابت الجمعية ( لأن الفرد هو المسؤول عن تحيين قناعاته الشخصية انطلاقا من تحليل ذاتي لوسط النشأة) مع العالم، أي المحافظة على حياة الخصوصية الثقافية للمجتمع.

من هنا ندرك أن الكتابة ممارسة لحق الإختلاف و إن ارتبطت بموضوعات تستدعي الجرأة الحاسمة.

لنتذكر دائما أنه في الهند، إحدى الديمقراطيات المتطورة على المستوى الآسيوي، أحد المسؤولين السياسيين البارزين مر خلال احدى تحركاته بحي شعبي، و اقترب منه طفل فقير يبيع أعلام البلد، عرض البائع الرث بضاعته مقترحا ثمنا معينا للعلم، ساومه المسؤول حول الثمن، و طلب منه تخفيضه ( رغم أن الثمن كان بخسا ). التفتت أم الطفل الى المشهد فالتقطت الاعلام من يد الطفل و القتها على وجه المسؤول السياسي البارز و هي تزمجر : حتى ثمن العلم تساوم فيه؟ هذا المشهد يتكرر بكثرة في الهند و غيرها من البلدان التي أنجزت مكتسبات ديمقراطية هامة.

الملاحظة الكبرى أن الثوابت لا تختلف عن المبادىء من حيث اتصافها بالانتهازية. فهي قد تتراجع الى مستويات منخفضة أي تتعرض للتسييس أو الأدلجة، لكن التراجع يبتغي التمهيد للاقلاع. بيد أن التراجع الانتهازي للثوابت لا يمكن أن يكون مشروعا حين يصدر عن أولويات النظام السياسي. كل محاولات التغيير نحو الأفضل و التي تترتب عنها تحولات في الدين و السياسة تعتمد على مفعول التوعية الثقافية و المعرفية التي يستطيع المثقفون تدبيرها دون الحاجة إلى احداث أي توتر مع الدولة و ضماناتها الأمنية.

الاستشراف: سمة الأديب-الظاهرة:

تحدي تطويرالثوابت المجتمعية و ترشيد تداعياتها التعبوية لا يقل حساسية عن اشكالية الاستشراف في الإبداع الادبي. يروي التاريخ الأدبي عن نبوءات ( قراءات عميقة للوقائع) ، فالأدب الروسي توقع نهاية النظام القيصري و اندلاع ثورةالبلشفيين قبل أكثر من قرن على حدوثها، فضلا عن مساهمة روايات الخيال العلمي في دفع العقل الرياضي نحو طموحات غزو الفضاء و مكننة الحياة البشرية و افتتاح عصر الهندسة الوراثية.

هذه الإنجازات العظيمة للعلم تعود الى صفحات روايات أدبية لأدباء عمالقة لم يكن للعرب نظرا للإهتمامات الذاتية و النزعات الميثولوجية المتطرفة و أحيانا الجنيالوجية دور يذكر فيها .

لقد شهد مطلع القرن العشرين عند العرب طفرة في الدراما و الشعر الإحيائي، انقلبت فيما بعد الى تجارب ذاتية معزولة، تداري عجزها عن المشاركة في الواقع العلمي بمحاكاة المعاناة العاطفية في أماكن مضطربة، آن موعد فهم أن الآلام العاطفية تزول بدلالة التقدم العلمي و التكنولوجي الذي يستفيد من المخيال الأدبي و الفلسفي.

يبدو لي أن المنحى الوجودي الانعزالي الذي تخلى عنه الغرب منذ أكثر من قرنين من الزمان ينفجر تدريجيا في المشهد الأدبي العربي، و هذه علامة عجز فارقة

الشنيق

سأمشي حسيرا الى مقهى المتقاعدين
وحيدا...انطفأت في عينيه
منارات الطريق

هناك...قرب فراش الشمس
يحتضر الأفق صامتا
بعد أن حجب القمر كل بريق

أريد بحرا هادئا
يلفظ الجثث القديمة
للحالم..و للمتمرد...و للغريق

إني باسم الحب و الوهم
أرجو لكم عذاب الضمير
و مسارات لمحاتها حريق

خرقة القماش المقدسة
أيقظت مشير العشيرة
مات عجيد المحراب...ذاك الشنيق

هامش حول المتقاعدين :

لا ريب أن المواطنة تمثل العدو الرجيم لحفنة المتقاعدين و كل واحد منهم يباهي الآخرين بعدد العقود التي قضاها تحت الوصاية . لقد خرجوا الى النهار عزلا ، بل إن طائر الصباح أكد لي أن الموت رفض طلبات الاستقالة التي تقدموا بها إليه

02 مايو 2010

قالت لي الغجرية...

(1)

قلت للغجرية : لماذا تستعذبين الترحال ؟

قالت : لأن الفصول تلوذ بالاحتراب إن لم أعشها كاملة

قلت : لماذا ترقصين عند الفجر ؟

قالت : لأن الشمس تغار كلما واصلت انارة حركات جسدي، و قطر الندى يرتقبها كي يرسل قطراته الأولى. تأمل قليلا نحري، ستجده مزيجا من ألوان الليل المحتضر و الفجر المتثائب

قلت : هل تدركين أن بعض الأوراق تصمد أمام الخريف ؟

قالت : نعم أدرك ذلك، كما أدرك أن رياح الخريف تحمل باشمئزاز كل ورقة تساقطت من تلقاء نفسها، لكنني أستعذب تفتح وريقات الأزهار التي لا تتسلح بالأشواك لاعتراض القطف

(2)

قلت للغجرية : لماذا لا تستقرين؟ لكل جدول نهاية ما...توصله الى البحر

قالت : القمر لا يحضر كل ليلة

قلت : هل أكتب عنك؟

قالت : لن تستطيع

قلت : لماذا؟

قالت : لأنك ستنزوي داخل نفسك بافراط إن كتبت عني ، ستبالغ في كونك أنت

(3)

قلت للغجرية : خيريني بين الحياة و الموت ؟

قالت و هي تعانق الأفق الذي تقبل فيه الشمس الغاربة البحر الهائج و الهادىء معا : أنا أخيرك...بين الحياة...و .....الحياة

رصاصة غجرية ( ق ق ج)

كانت الشمس تميل إلى المغيب و كانت السماء متدثرة بحمرة الغسق...

حادثته عن العشق و الإطراء...ثم أحس بشيء صلب يخترق جانبه الأيمن...

سالت دماء شاحبة رفضت الاختلاط بمياه الشاطىء....

قبل أن تتحول الجثة إلى جثتين متلاصقتين...كانت الشمس قد غربت.