بالاستناد الى المداخيل المالية الهائلة التي يوفرها البترول و الغاز، بادرت مشيخة قطر إلى تقديم مقترح خاص بها يتعلق باستضافة بطولة العالم في كرة القدم للعام 2022. لا ريب أنه يحق لأي دولة ترشيح نفسها لاحتضان المحفل الكروي إذا توفرت لديها الشروط المقررة من لدن الإتحاد الدولي لكرة القدم " الفيفا ". و قد اتضح عبر العديد من المناسبات أن شروط جوزيف بلاتر تتعارض مع الاقتضاءات الموضوعية التنافسية حيث أن الاجماع الجماهيري العالمي الذي يحرزه المونديال لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبتعد عن الاستعمالات السياسية.
مؤثثات الحصول على فرصة الترشيح لا تهمنا بالقدر الذي تهمنا به التبريرات التي استخدمها النظام السياسي القطري للفوز بتنظيم المونديال. و الحديث عن مسؤولية النظام السياسي ليس تحاملا أو انحيازا غير مبرر، فقد تابعنا جميعا أن اللجنة المشرفة على الملف القطري كانت تتألف من الشيخة موزة و زوجها الشيخ حمد فضلا عن أعضاء آخرين ينتمون إلى العائلة الحاكمة في دولة قطر. كما أن الشيخة موزة هي التي تكفلت بتعريف ملف بلادها للحاضرين من خلال إلقاء نص يدور حول التسامح .
اللجنة القطرية أكدت أن احتضان الشرق الأوسط للعرس الكروي سيفضي حتما إلى شيوع قيم التعايش و السلام في هذه المنطقة المتوترة من العالم، مثلما سيعزز أواصر التآخي و التقارب بين شعوب المنطقة و من بين هذه الشعوب، الشعب الاسرائيلي الذي سيمكنه المونديال القطري من التواصل دون عراقيل مع شعوب الدول العربية التي لم تنشىء بعد علاقات دبلوماسية رسمية مع اسرائيل. و نحن ندرك مليا أن مجرد كيل المدح المفرط لمفردات السلام و التعايش داخل الشرق الأوسط يخدم المصلحة الاسرائيلية حيث سيتيح لشعبها كسر الحاجز، على الأقل النفسي، الذي يمنعه من التواصل مع الجمهور العربي المتشبث بمساندة الكفاح الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال الصهيوني. الإشارة إلى البعد التطبيعي للملف القطري لا تعد مزايدة انتهازية، إنما هي محاولة تحليلية بل وصفية لاظهار التناقض التام بين الايحاء التطبيعي و بين الوجه الشعبوي الذي تحاول أن ترتديه السياسة الخارجية القطرية إضافة إلى سوريا و ايران و هذه الدول ساهمت بفعالية غير مسبوقة إلى جانب جورج بوش لزعزعة استقرار الشرق الأوسط دون الحديث طبعا عن الحلفاء الكلاسيكيين لواشنطن.
كأي دولة منفعية في التاريخ، واشنطن بحاجة إلى رأيين متعاكسين نظريا في الشرق الأوسط للحصول على صراع قابل للتسويغ السياسي، إذ يستحيل أن تتواصل سباقات التسلح الاستهلاكي في الشرق الأوسط إذا خضع لوجهة سياسية واحدة، الغرب بحاجة إلى " الإعتدال " العربي و بحاجة إلى ما يسمى " الممانعة الايرانية " كي تنتعش مداخيل شركات بيع الأسلحة و كي يستمر الاستخدام الريعي للثروة البترولية ساريا.
المبرر الأول الذي استعملته قطر يمكن أن نسميه إذن : " الإيحاء التطبيعي " و ال12 سنة التي تفصلنا عن انطلاق المونديال كافية لشحذ الاستعداد النفسي لتواجد مشجعين و سواح اسرائيليين إلى جانب نظرائهم من الدول العربية جالسين جنبا إلى جنب فوق مدرجات ملاعب عاصمة الثقافة العربية الدوحة.
اسرائيل في المحصلة أحد الفائزين بالمحتوى السياسي للمونديال القطري مع استمرار الحصر الدولي لمآسي الفلسطينيين داخل البعد الانساني.
اللجنة القطرية لم تقتصر في عرضها على ما أسميناه " الايحاء التطبيعي " إنما توفر شريط الفيديو الذي دعمت به محاضرتها عن الامكانيات القطرية الفسيحة على شهادة لأحد العراقيين الذي قال في شهادته بأنه عانى كغيره من أبناء الشعب العراقي جراء سيادة القمع و التسلط بين ثنايا أجهزة نظام صدام حسين فلجأ إلى قطر حيث عثر على الحريات العامة و الشخصية و حقوق الإنسان التي كان النظام العراقي الدكتاتوري يصادرها وفق سياسة ممنهجة. و استطرد " الشاهد " العراقي بالقول إن الديمقراطية في قطر مزدهرة. رغم انهيار نظامه منذ سبع سنوات و رغم شنقه، ما زال الكلام المنمق عن اتصاف صدام حسين بالدكتاتورية و اللا إنسانية مربحا سياسيا، الاستعمال القطري الاشهاري لما اعتبره الشاهد العراقي دكتاتورية و قمعا في عراق صدام حسين لم يترافق مع عرض لشهادات العراقيين الذين فروا من الجحيم الذي زرعته الولايات المتحدة الأمريكية في وطنهم المذبوح، هذا الاحتمال يبعث على الضحك فعلا، إذ لا يجوز أن نتصور أن قطر التي تحتل قاعدة عسكرية أمريكية متطورة مساحة واسعة من أراضيها ستجرؤ على توجيه هذه الضربة لواشنطن و هي أحد منافسيها المركزيين لاحتضان مونديال 2022.
ببقي أن نختم بالقول إنه بفضل ما يعتبره الغرب و حلفاؤه دكتاتورية و دموية صدام حسين و الايحاء التطبيعي الموجه إلى اسرائيل كأساسين سياسيين دون نسيان البترول و الغاز كأساس تقني ، تمكنت قطر من نيل شرف تنظيم مونديال 2022