تأخذ المرأة داخل النسق الاجتماعي دورا حيويا، تبقى فاعليته مجرد اشتقاق لأهميتها البيولوجية المتيحة لاستمرار النوع البشري. و قد تسرب الاعتبار البيولوجي إلى أعماق الكتابات الأدبية المعاصرة التي ربطت المفهوم الجديد للابداع بالقدرة على استدماج الحالة الإيروتيكية وفقا لمستوى المسموح به ثقافيا و مستوى الشجاعة الأدبية، و الانسجام بين المستويين ينتج المنحى البوهيمي الخاص بكل مجتمع على حدة، بل إنه يحتضن مقتطفا هاما من خصوصية المجتمع إلى جانب اللغة و التاريخ و الدين و غيرها من المحددات الكلاسيكية لاختلاف المجتمعات على الصعيد العالمي و وحدتها الرمزية أو الضميرية في اطار الانسانية.
لم يعد للأصل التاريخي لبروز دور المرأة أهمية تستحق الايراد، فقد تمكنت من فرض نفسها عبر الانخراط الفعال في مجريات المعتاد اليومي، و إذا حظي الرجل بكل فترة ما قبل القرن العشرين اجمالا للبروز كصانع للحدث، فإن المرأة وصلت الى نفس الانجاز من خلال استثمار خطأ الذكورة التقليدي المتمثل في اللجوء الى أشكال متنوعة من العنف لايقاف اصطدام الآراء و الاقتناعات. لقد كتبت في مقال : " الحب و الجنس...و أشياء أخرى" تلخيصا حماسيا ذا تأويل تاريخي للحظة انتهاز التاريخ المقرونة في نظري بالميلاد القانوني و السياسي للمرأة، إذ بادر المجتمع الى الاستعانة بها لسد الفراغ البشري التقني و العددي الناجم عن الارتفاع المهول في نسبة الذكور القتلى. ما وجه الاثارة في هذا القول؟
إنها الحرب و تداعياتها...توقظها امرأة، لتستفيد منها امرأة، في عالم الروايات و السرديات القديمة، لكنها (أي الحرب) في النطاق السياسي و القانوني ممارسة متكررة التصقت بالحسم في الحربين الكونيتين، و نقلت المرأة إلى المكانة التي نلمسها اليوم و تحديدا لدى الغربيين مع الاحتفاظ طبعا باٍستيطيقا الجمال (أو الفروسية على الطريقة الملكية البريطانية في الثقافة كما في الحياة الدستورية) التي تحبذ من الرجل أن يلثم يد المرأة سواء خلال قرون سلطة الذكورة أو في عهد التحرير الأنثوي الراهن. إنها قوة الرمز و التي لا تمحوها الاصلاحات أو التراجعات كيفما كانت قوتها الراديكالية.
لقد أعلن التيار الأنثوي (الفمنيزم) فتح نقاش سلوكي حضاري طويل، قد يستلزم ضمن إحدى فقراته المستقبلية تنفيذ المرأة لأساليب الاضطهاد التي تعرضت لها في الزمن الغابر و التي لا تزال تتعرض لها في أغلب مجتمعات المشرق حيث تتكاثر النزوات القبلية و الأوليغارشية المنحطة و التي تعود مسؤولية استمرارها الى مزج الخصوصية الثقافية و الوطنية باقتضاءات الدين الاسلامي المستوحاة من النص الشرعي القائل بأن الاسلام مبعوث للبشر قاطبة و المتناقضة مع التوسع الجغرافي الذي استخدمه المسلمون لتبليغ رسالة الله.
إن الحرية الممنوحة للمرأة و مساواتها بالرجل لا تعد مقياسا للديمقراطية سياسيا و قانونيا، و لنا في مسار "أيديولوجيا التقدمية (القومية) العربية" مثال واضح. يجب أن نعتبر المساواة حقا مدنيا اراديا كي نتلافى مأساة تبادل الأدوار التاريخية و الخصائص النوعية للجنسين. و مهما تكن النتائج الأخلاقية لايلاء المرأة موقعها المناسب، فالفائدة العملية و الموضوعية التي يحققها المواطن تظل معيار استحقاق تقديري ( فالجميع متساوون قانونا) و الذي يستجيب لهذا المعيار هو أحد مرشحي النخبة لوضع منظومة القيم المشتركة