حين نتساءل عن مركز الانجذاب بين المرأة و الرجل، نرتدي قميص الواعظ الراهب، ذلك الانسان الذي اختار رؤية منمطة للكون فغادر ضجيج الحياة و صخب الواقع إلى صومعة معزولة كي يمارس داخلها انهزاميته. بالنظر الى العشوائية الخلابة التي تتسم بها الرومانسية فالتساؤل عن الانجذاب المتبادل يعتبر تقليديا و رجعيا. فالحب ليس كائنا موضوعيا مجردا يفرض قواعد عامة و إنما يعد مزيجا من الاستثناءات المتشابهة و المتباينة في نفس الوقت.
الوقوع في الحب من خلال كافة أشكاله لا يهتم بماورائيات الوقوع، أي يحاول تبريره، بقدر ما يعكس ترجمة تلقائية لتقارب ما و هذا التقارب لا توجد قوة في الكون المعروف للإنسانية تستطيع أن تقتطع الجنس منه. من يفصل بين الحب و الجنس كمن يفاضل بين العقل و العاطفة و إلى أي منهما يؤول التحكم في تصرفات الكائن البشري. الحب في معناه الجنسي و اللاجنسي الذي يعد امتدادا زمنيا للمعنى الجنسي أفضى الى ابداعات رائعة ((( و المقصود بالابداع سياقا ليس الكتابة فحسب بل جميع الفنون الجميلة))) يخطىء من يصفها بالبوهيمية أو الرومانسية، لأنني لم أجد لها من الأوصاف ما يلائمها أكثر من وصفها بالأدب الواقعي.
هل نستطيع أن نقنع أفكارنا بأن تعابير ذات أصول جنسية تنطوي على الخصوصية الابداعية للفترة المعاصرة؟ لن نحتاج إلى مقتطفات نوعية لأننا في هذه الحالة نرغم أنفسنا على ايلاء دراسة فاحصة للكتابة الأدبية التي رافقت تزامن القرن العشرين مع التغيرات الديمغرافية التي ألحقت المرأة بالحياة الحقوقية و السياسية. كثيرات هن من يعتقدن أن الحصول على ما يعرف بالمساواة بين الجنسين نتيجة منطقية لمسيرة كفاحية، يتوجب عليهن أن يدركن أن همجية الحربين العالميتين قتلت الملايين من الذكور فلم يكن بمقدور المجتمع سوى أن يلجأ إلى بديل مؤقت هو المرأة و لو كان يوجد بديل آخر لما توانى في الاتيان به، المساواة اذن مطلب تحقق فوق جماجم بني الانسان واستفاد منه كائن وحيد هو المرأة
لا شك أن أغلبيتنا تعتقد أن المعاناة و الحرمان يؤديان الى ايقاظ الادب الواقعي، لكن نفس الأغلبية ترفض أن تدرك أن الرومانسية إذا ما اعتبرناها نقيضا للواقع تجعل من اشباع الرغبات غاية، و أحيانا تستخدم الخيال لايهام نفسها بأن الاشباع قد تحقق و تستمر الحياة في المحصلة النهائية. كثيرون سيمتنعون عن تأييد هذا الكلام، لأنه ينطق بالحقيقة و آخر شيء يمكن للإنسان أن يطيقه هو الحقيقة بل إنه يفعل أي شيء للتشكيك فيها، فالتشكيك هو ما يريحنا في الحقيقة، و ليس الحقيقة
يجب أن نفهم أن لا أحد باستطاعته أن يوقف الانعكاس الابداعي للجنس المرتهن بعلاقة عشق، فالجنس وجد منذ القدم و لم تستأصله كل المحاولات الدينية و الأخلاقية. علينا أن نحاول الارتطام بالحقيقة فلا معنى للبحث عن الذات في المرآة كلما أردنا الانطلاق في موعد عاطفي...فالآخر هو المرآة الأكثر صدقا دائما و عبر علاقاتنا به نربح رهاناتنا أو نخسرها...باستثناء إن كنا نبتغي أن نبني وسيطا بيننا و بين الآخر على شاكلة الجماد في حالة المرآة و على شاكلة الأصنام في حالة الذين رفضوا الايمان بالله مباشرة.