يقال و قد استرعى الاهتمام الحديث المنصف عن المتمسئلين أو الكائنات الممسوخة الناجمة عن المزج العشوائي بين المتسولين و المسؤولين ، إن ما لا يحبذه الوجد يتعمد الغاء وجوده، فيداري الوجد نفسه الشاحبة بالوهم، إذ أنه يدرك مليا أن ما افترض انتفاءه، موجود و سيستمر موجودا. يوم الحجون، أخطأت حبائل المتيم الولهان، جميل بثينة قلب معشوقته، لكنه عالج كبريائه حينما أورد كلام العواذل اللائي تلمظن صفاء الحب، لذن بالوشاية المزيفة، و كان أن حاقهن الفشل الجسيم.
الحجون المنشود ليس المرتفع التضاريسي الكائن في مدينة مكة أو قرية مكة، فأم القرى تملك الساعة العملاقة الخاصة بها، و تزورها الجموع الصاخبة خلال المناسبات الدينية. إنما المقصود، الانعكاس الأزرق لصورة " غزوة الحجون " على المسار التاريخي للعرب، بوصفهم أنجع مختبر أو لنقلها دون مواربة، أفضل فئران للتجارب السياسية، فمقياس الوعي الثقافي وشيج الاتصال بتشخيص المؤامرات الخطيرة، و غدا التشخيص بوهيميا فتسرب الى تفاصيل العلاقات الاجتماعية مكسرا و تلك فضيلته الأولى و الختامية، القناع الشفاف الذي يخفي الملامح المرعبة و القبيحة للمجتمع العربي، مثلما غدا التشخيص لزوميا أو أصوليا عندما استخدم مبدأ التجميل المنبوذ من قبله كي يخفي الملامح المهولة نفسها.
العلة أو الوجود الغائي للبحث الحثيث عن الحقيقة يختصر في التعرف إليها،( و التصرف الفعلي كمرحلة ما بعد لمس الحقيقة) و هي الخطيئة الأم التي يرشق بها الأصوليون خصومهم. إننا جميعا لا ندرك حقيقة مجتمعاتنا، كما أن تنويع قوالب الحقيقة و الحرص عن كثب على القوالب الوجدانية سبيل مرموق الى النقد الذاتي، و هو الرد الأزلي الذي يستخدمه البوهيميون. لا ننسى أن بعض المثقفين ينتمون باخلاص و وداعة الى المنطقة الوسطى تلافيا لضجيج النقاش الباعث على الملل، فهم يصرخون كلما احتدم السجال : لا غالب و لا مغلوب. و هو موقف عاقل، فالفريقان المتصادمان و اللذين واظبا بوفاء منقطع النظير على انتاج إرث ثقافي مطرز بالصدمة و مفعم بمختلف أشكال العنف، لا يمتلكان أدوات التغيير، بل إنهما غير قادران على الانسجام مع مقتضيات التغيير و التي تتصدرها قضيتان محوريتان : أزمة تجميع حلقات قلادة المجد، و التوصل الى رسم السياقات الثقافية المشتركة.
يروم المثقف العربي ناسجا على منوال الحاكم العربي احتكار القيمة التاريخية لنشاطاته، لا يجوز أن يقتسمها مع أحد. سؤال حارق يستبد بأفكار المثقف أو الحاكم العربي، فهما يتقاسمان نفس المبادىء أو الدوافع السلوكية : " هل يمكن أن أترك للأجيال القادمة جزءا من المجد الذي أشارك حاليا في خلقه؟ الأكيد أنهم لن يتذكروني تاريخئذ ". ينسى صاحبنا العربي سواء المثقف أو الحاكم أنه يرتكب خطأ وخيما، المجد المنظم أي المرتهن بمشروع نهضوي تطوري قلادة غير منتهية، لكل فترة تاريخية حلقات محددة يجب أن تنجزها، و حينما يطمع الانسان الى تركيب الحلقات قاطبة، فإن شعورا واهما ينتابه في تلك اللحظات المذنبة، و هو شعور الاستحواذ على القيمة التاريخية للمشروع الذي ينفذه، لكن الواقع أنه يدمر الحلقات التي ركبتها الأجيال الماضية. باستطاعتنا أن نسأل فلاحا صينيا تجاوز عمره مائة عام عن مبتغاه إثر زرع نبتة جديدة ، سيجيبنا بتلك الحكمة الكونفوشيوسية العتيدة : " زرعوا فأكلنا، و نزرع فيأكلون".
قضية العجز العربي الثانية تتراءى في انعدام الاستطاعة لرسم سياقات ثقافية مبنية فوق قيم مشتركة. يقول المفكر البريطاني الكبير برتراند راسل : " لا تخش أن يكون رأيك شاذا اليوم، فكل رأي مقبول اليوم، كان شاذا يوما ما ". مشكلتنا أن لدينا رأيين فقط تتوسطهما منطقة زرقاء تتصرف دائما بمنطق الضحية، فالعالم الثالث بالنسبة إليها مشتل للمؤامرات الغربية، لكن سكان هذه المنطقة يتغافلون عن كون ما ينافحون عنه نصف الحقيقة أو أقل منه . إن نجاح السياسات الغربية في الشرق لا يفسر بالمحتوى السلبي لهذه السياسات فحسب، و إنما يفسر بانسجامه مع المؤثثات الذاتية و البين-ذاتية الموجودة في الشرق، فنجاح أي سياسة يقتضي توفر وسط ملائم لها، و نجاح الغرب في فرض رؤاه في الشرق راجع إلى امتلاء هذه المنطقة بموارد بشرية قادرة على حبك المزالق لبعضها البعض و قادرة على ممارسة غزوات الحجون بتفوق و اجتهاد. و غزوة الحجون تتألف في الواقع من غزوتين : غزوة وهمية يقوم بها المثقف أو الحاكم أو المواطن العربي اتجاه الغرب باعتباره منبع الاستنزاف، و هذه الغزوة الوهمية إنما تهدف إلى مواراة الغزوات الحقيقية التي يتبادلها العرب فيما بينهم عبر مختلف المجالات المتصورة و غير المتصورة.
لكل هذه العيوب الفريدة القاطنة في أغوار الذات العربية، لا يلام مؤسس علم الاجتماع العلامة عبد الرحمان بن خلدون حينما وصف العرب في الفصل السادس و العشرين من كتابه العالمي " المقدمة "، و هو وصف استباقي، يوضح النتيجة الحتمية للتصرف الزمكاني العربي ، و الأكثر مدعاة للانتباه هو أن الوصف الذي كتبه ابن خلدون منذ مئات السنين، يلائم المشهد العربي الراهن بمعنى أكثر وضوحا ، فإن العقل السياسي العربي الممارس للسلطة لم يطرأ عليه أي تغيير نحو الأفضل، فمواصفاته قبل قرون هي نفس مواصفاته في الوقت الحاضر ، يقول ابن خلدون : "...و أيضا فهم متنافسون في الرئاسة، و قل أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره و لو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته، إلا في الأقل و على كره و من أجل الحياء، فيتعدد منهم الحكام و الأمراء ".
إن العرب جثة ساكنة، تبرع بها صاحبها قبل مماته الى المختبرات السياسية كي تطبق عليها مختلف النظريات لاستخلاص فوائد تنفع البشر الأحياء. و قد برر صاحب الجثة ما قام به في السجل التعريفي المرفق بالجثة، إذ أكد للعالمين أنه أهدى جثته الى المختبرات السياسية تكفيرا عن ذنبه الثقيل، فهو كان أحد لصوص القمر.
الحجون المنشود ليس المرتفع التضاريسي الكائن في مدينة مكة أو قرية مكة، فأم القرى تملك الساعة العملاقة الخاصة بها، و تزورها الجموع الصاخبة خلال المناسبات الدينية. إنما المقصود، الانعكاس الأزرق لصورة " غزوة الحجون " على المسار التاريخي للعرب، بوصفهم أنجع مختبر أو لنقلها دون مواربة، أفضل فئران للتجارب السياسية، فمقياس الوعي الثقافي وشيج الاتصال بتشخيص المؤامرات الخطيرة، و غدا التشخيص بوهيميا فتسرب الى تفاصيل العلاقات الاجتماعية مكسرا و تلك فضيلته الأولى و الختامية، القناع الشفاف الذي يخفي الملامح المرعبة و القبيحة للمجتمع العربي، مثلما غدا التشخيص لزوميا أو أصوليا عندما استخدم مبدأ التجميل المنبوذ من قبله كي يخفي الملامح المهولة نفسها.
العلة أو الوجود الغائي للبحث الحثيث عن الحقيقة يختصر في التعرف إليها،( و التصرف الفعلي كمرحلة ما بعد لمس الحقيقة) و هي الخطيئة الأم التي يرشق بها الأصوليون خصومهم. إننا جميعا لا ندرك حقيقة مجتمعاتنا، كما أن تنويع قوالب الحقيقة و الحرص عن كثب على القوالب الوجدانية سبيل مرموق الى النقد الذاتي، و هو الرد الأزلي الذي يستخدمه البوهيميون. لا ننسى أن بعض المثقفين ينتمون باخلاص و وداعة الى المنطقة الوسطى تلافيا لضجيج النقاش الباعث على الملل، فهم يصرخون كلما احتدم السجال : لا غالب و لا مغلوب. و هو موقف عاقل، فالفريقان المتصادمان و اللذين واظبا بوفاء منقطع النظير على انتاج إرث ثقافي مطرز بالصدمة و مفعم بمختلف أشكال العنف، لا يمتلكان أدوات التغيير، بل إنهما غير قادران على الانسجام مع مقتضيات التغيير و التي تتصدرها قضيتان محوريتان : أزمة تجميع حلقات قلادة المجد، و التوصل الى رسم السياقات الثقافية المشتركة.
يروم المثقف العربي ناسجا على منوال الحاكم العربي احتكار القيمة التاريخية لنشاطاته، لا يجوز أن يقتسمها مع أحد. سؤال حارق يستبد بأفكار المثقف أو الحاكم العربي، فهما يتقاسمان نفس المبادىء أو الدوافع السلوكية : " هل يمكن أن أترك للأجيال القادمة جزءا من المجد الذي أشارك حاليا في خلقه؟ الأكيد أنهم لن يتذكروني تاريخئذ ". ينسى صاحبنا العربي سواء المثقف أو الحاكم أنه يرتكب خطأ وخيما، المجد المنظم أي المرتهن بمشروع نهضوي تطوري قلادة غير منتهية، لكل فترة تاريخية حلقات محددة يجب أن تنجزها، و حينما يطمع الانسان الى تركيب الحلقات قاطبة، فإن شعورا واهما ينتابه في تلك اللحظات المذنبة، و هو شعور الاستحواذ على القيمة التاريخية للمشروع الذي ينفذه، لكن الواقع أنه يدمر الحلقات التي ركبتها الأجيال الماضية. باستطاعتنا أن نسأل فلاحا صينيا تجاوز عمره مائة عام عن مبتغاه إثر زرع نبتة جديدة ، سيجيبنا بتلك الحكمة الكونفوشيوسية العتيدة : " زرعوا فأكلنا، و نزرع فيأكلون".
قضية العجز العربي الثانية تتراءى في انعدام الاستطاعة لرسم سياقات ثقافية مبنية فوق قيم مشتركة. يقول المفكر البريطاني الكبير برتراند راسل : " لا تخش أن يكون رأيك شاذا اليوم، فكل رأي مقبول اليوم، كان شاذا يوما ما ". مشكلتنا أن لدينا رأيين فقط تتوسطهما منطقة زرقاء تتصرف دائما بمنطق الضحية، فالعالم الثالث بالنسبة إليها مشتل للمؤامرات الغربية، لكن سكان هذه المنطقة يتغافلون عن كون ما ينافحون عنه نصف الحقيقة أو أقل منه . إن نجاح السياسات الغربية في الشرق لا يفسر بالمحتوى السلبي لهذه السياسات فحسب، و إنما يفسر بانسجامه مع المؤثثات الذاتية و البين-ذاتية الموجودة في الشرق، فنجاح أي سياسة يقتضي توفر وسط ملائم لها، و نجاح الغرب في فرض رؤاه في الشرق راجع إلى امتلاء هذه المنطقة بموارد بشرية قادرة على حبك المزالق لبعضها البعض و قادرة على ممارسة غزوات الحجون بتفوق و اجتهاد. و غزوة الحجون تتألف في الواقع من غزوتين : غزوة وهمية يقوم بها المثقف أو الحاكم أو المواطن العربي اتجاه الغرب باعتباره منبع الاستنزاف، و هذه الغزوة الوهمية إنما تهدف إلى مواراة الغزوات الحقيقية التي يتبادلها العرب فيما بينهم عبر مختلف المجالات المتصورة و غير المتصورة.
لكل هذه العيوب الفريدة القاطنة في أغوار الذات العربية، لا يلام مؤسس علم الاجتماع العلامة عبد الرحمان بن خلدون حينما وصف العرب في الفصل السادس و العشرين من كتابه العالمي " المقدمة "، و هو وصف استباقي، يوضح النتيجة الحتمية للتصرف الزمكاني العربي ، و الأكثر مدعاة للانتباه هو أن الوصف الذي كتبه ابن خلدون منذ مئات السنين، يلائم المشهد العربي الراهن بمعنى أكثر وضوحا ، فإن العقل السياسي العربي الممارس للسلطة لم يطرأ عليه أي تغيير نحو الأفضل، فمواصفاته قبل قرون هي نفس مواصفاته في الوقت الحاضر ، يقول ابن خلدون : "...و أيضا فهم متنافسون في الرئاسة، و قل أن يسلم أحد منهم الأمر لغيره و لو كان أباه أو أخاه أو كبير عشيرته، إلا في الأقل و على كره و من أجل الحياء، فيتعدد منهم الحكام و الأمراء ".
إن العرب جثة ساكنة، تبرع بها صاحبها قبل مماته الى المختبرات السياسية كي تطبق عليها مختلف النظريات لاستخلاص فوائد تنفع البشر الأحياء. و قد برر صاحب الجثة ما قام به في السجل التعريفي المرفق بالجثة، إذ أكد للعالمين أنه أهدى جثته الى المختبرات السياسية تكفيرا عن ذنبه الثقيل، فهو كان أحد لصوص القمر.