07 أغسطس 2009

نحن و المشكلات

لنفترض أن شخصا معينا كان منهمكا في تحرير نص ليضيفه الى مدونته أو إلى أي منبر فكري، قد يحدث أن ينفذ حبر قلمه ((أو ينقطع الوصل بالانترنت)) أثناء الكتابة، فيواجه في هذه الحالة الفجائية مشكلة سرعان ما يحلها باشترائه لقلم جديد ((أو بإصلاح العطب التقني)) يتمم به كتابة أفكاره، يمكن أن نستنتج أن المشكلة لا تنتهي تأثيراتها النفسية ((المتجلية في الانفعال المؤقت الذي ينتهي بمجرد استحضار امكانية استبدال القلم)) بالحصول على حل مناسب لها،خصوصا اذا كانت المشكلة مرتبطة بممارسة فكرية، تستوجب التنظيم و الاسترسال غير المنقطع في عرض الأفكار دون المساس بتجانسها الاقناعي أو خسارة مصدر الإلهام.
إن السؤال الذي يفرض التفكير في اجابة تضيئه، هو نوعية المشكلة التي اعترضت الشخص في المثال السابق، و لنكون دقيقين، فاننا نبحث عن دلالة مقنعة لتصرف الانسان مع مشكلة غير مرتقبة لا تفوق استطاعته الموضوعية، هل واجه الشخص المعني عرقلة محددة عندما نفذ حبر قلمه؟ أم أن العرقلة الحقيقية تتمثل في عدم القدرة على انهاء النص وفق السجية الأولى الموالية لتهييج انتاجه؟ أم أن المشكلة تنقسم الى مرحلة نفاذ الحبر و مرحلة العجز عن إكمال المقال؟
.أعتقد أن الانسان لا يعاني من عملية التفكير، بل ان كل واحد منا يستطيع التفكير و توليد أفكار خاصة به، بالرغم من أن الاختلاف الوحيد يتجلى في درجة أهمية التفكير الفردي المستخدم لتعديل خلل فردي أو جماعي أو فردي-اجتماعي، و اذا تتبعنا مختصا كهربائيا استدعيناه لاصلاح عطب ما، فعندما يريد استبدال المصباح التالف بآخر مشتغل، فانه قد يستخدم كرسيا ليكون على ارتفاع كاف يوصله الى مستوى المصباح الرديء و تركيب المصباح الجديد بصفة جيدة. إن مجرد طلب الكرسي تفكير فردي و فردي-اجتماعي استلزمته مشكلة مزدوجة تبرز في حاجة العامل الى أجر مقابل خدمته و حاجة الأسرة التي طلبته الى المصباح بهدف الاستنارة، و حاجة العامل هي التي تحدد لنا تقريبا واقعيا الى الأيديولوجيا و طريقتها الانتشارية، و هي النمط الأساسي من المشاكل التي تتحكم في التصرفات و السلوكات، و يؤدي تغييرها الى تغيير السلوك حسب قيمة التغيير الطارىء. إن أهمية طلب الكرسي في المثال المقترح تتعلق بدورها القصير زمنيا و الثانوي وظيفيا الا أن مدلولها التحليلي أساسي و ينطوي على معلومات عديدة و متداخلة، التي تصطدم بالبداهة التي تميز طلب الكرسي و تصيره علاجا بديهيا سيتخذه أي واحد منا لو كان في نفس الوضعية. يمكن أن نعبر عن بداهة هذا الحل بالقول بأن قيمته التأثيرية خاضعة لتطبيقه و لا ترتكز على برهنة نظرية مستقلة. في هذا المستوى تظهر لنا المادية و السجن الذي فرضته البيئة المحيطة و المهارات المكتسبة على العقل البشري و امتداداته التحليلية. و هذه هي المشكلة التي تتطلب منا وقفة تاملية .
أول مشكلة مستعصية تواجه الشخص في حياته الاستكشافية و الاكتشافية تبقى مختصرة في علاقة المشاكل بالاجتهاد الفردي و امتداده الاجتماعي. ففريق عريض من الناس انساقوا وراء تأويل غير دقيق لنظرية أو مسلمة الطبع الاجتماعي للانسان، و اتفق العديد منا على قانون اعتبار الانسان عاجزا و قاصرا عند غياب المجتمع و اختفائه. و هذا الاعتقاد الشائع يعيدنا الى نمط التفاعل بين الفكرية الانسانية و الاجتماع، حسب نظري، كل فرد منا يمثل مجتمعا بالنسبة للفرد الآخر و لا يحتاج تشكيل المجتمع بالضرورة الى أكثر من فردين، و هنا يجب أن نتوصل جميعا الى طرح سؤال مفصلي : " من يحكم الآخر و يوجهه الانسان أم المجتمع ؟ " ، الاجابة السليمة هي : " لا وجود لعلاقة سلطوية بين الفرد و المجتمع و انما توجد علاقة تساهمية و تكافلية ".
حين استخلص ماركس الفكرة الشيوعية، لم يعتمد على المساعدات المباشرة القادمة من زملائه أو عائلته، حين توصل اينشتاين الى العلاقة الرياضية الشهيرة التي تجمع بين الكتلة و الطاقة في علم الفيزياء لم يكن على علم بالأثر الاجتماعي لنشاط فردي محض، و عندما يأخذ أحدنا قلمه ليكتب نصا أو تعليقا، هل نخضع خلال كل هذه السلوكات و الحالات الى توجيهات غيرية؟ لنأخذ المثال الأخير و لنجب عن السؤال : في لحظة أولى تكون الاجابة بنعم، لكن استفادة الطرف المستهدف تعادل حسب نظري تهييجه للطرف المعلق، و بالتالي تنعدم العلاقة السلطوية و تولد العلاقة التساهمية المتعادلة.
الى حدود هذا المستوى نكون قد أجبنا بدقة عن السؤال الوارد في بداية الفقرة الأولى، عندما وضعنا الاستفهام عن نمط المشكلة التي تعيق أحدنا عند كتابته لنصه و المتجسدة مثلا في انتهاء كمية الحبر، هذه المشكلة مزدوجة تمزج بانصاف بين فقدان القلم القديم و فقدان السيرورة الانطلاقية للكتابة. إن التأويل العقلي هو المسؤول عن اختيار التوجيهات الخارجية و يقوم بتصفيتها، و هذا التفسير يقترب قليلا من الوظيفة الفيزيولوجية أو البيولوجية للجهاز العصبي. من جهة مغايرة،أعتقد أن العلاقة الواصلة بين العقل و معطيات البيئة المحيطة به لا تعتبر تلقائية أو متولدة عن مصادفة، فهذه الأخيرة لا تثير قدرة التعليق بقدر ما تذكرنا بوجود هذه القدرة في ذاكرتنا العقلية، بعد أن يلامس فحواها المستقل قطاعا فكريا محددا يرغب الشخص في الادلاء برأيه حوله، و بخاصة في حالة ما اذا لاحظ أن الآراء المقترحة لا تتجاوز رأيه أو على الأقل لا تشبهه من حيث السياق الاقناعي. سنستبعد ما يسمى : " مصادفة "، لأننا قلنا ان الذهن ينفذ تصفية أو انتقائية ممنهجة مقيدة ازاء الموضوعات الخارجية، و تظهر لنا خاصية الانتقائية الذهنية في الحالات التي نكون فيها متحكمين في خيارات متعددة، لا تستطيع خلالها أي قوة خارجية ضعيفة كما قوية اقرار خيار معين على حساب الخيارات الأخرى. و وضعية بسيطة ستشرح لنا أن الذهن الحر يستفيد دائما من استقلاليته التأويلية و ليس مقيدا بالموجودات الخارجية و نوعية الاهاجة التي تفرزها، هذه الوضعية تنطلق عندما يدخل أحدنا الى موقع الكتروني مخصص للمدونات و يجده مليئا بالمقالات و التحليلات المتمايزة، فانه يعزل العناوين المثيرة بالنسبة اليه و يطالعها، لكنه قد يختار موضوعا دون مراعاة العنوان و تقزيم جاذبيته، التصور الأولي سيكون ضعيفا، غير أن المادة المقروءة في حالات كثيرة تنشط المطالعة و تكتسح التصور الأولي. هذا المثال المقتبس من علاقتنا اليومية بالانترنت يكرس نظرية الانتقائية الذهنية المتحكمة في العقل البشري، عندما لا يسقط في وضعيات غير عادية، غالبا ما تعبر عنها العوامل و التفاعلات النفسية بالنسبة الى العالم الخارجي.
سعة التوصيف السابق لا تزيل أبدا الكتابات العلمية و النفسية المتصاعدة التي تفصل بين العاطفة و العقل بواسطة مقاييس أخرى.المهم، أننا وظفنا النسق الاجتماعي و الفردي و وقائعهما و مواصفاتهما لنستنتج أن العقل انتقائي بالنسبة الى كل عناصر المحيط الخارجي، و لا تنحصر هذه الفرضية في دلالتها الفلسفية التي تكتسيها، لكنها مسالة تقويمية بالدرجة الأولى و تتجسد في اشكال الحلول التي يؤلفها الفرد لحصر الانعكاسات النفسية التي تسببها المشاكل اليومية، خصوصا عندما تتميز بالتجدد و التراكم، أما المشاكل التي تصنف ضمن أحداث المعتاد الاجتماعي، فانها الفتحة المنطقية الوحيدة التي رخصت لنظريات و فرضيات خضوع الانسان و تبعية سلوكه الى مساطر عاطفية و نفسية و عقلية.و اذا ما لاحظنا القراءات و التحليلات الفلسفية المؤيدة لنظرية تعددية موجهات عيش الانسان، فإننا نستخلص أنها تستند الى التوصيف انطلاقا من أحداث اعتيادية و فوق-اعتيادية لأن هدفها الاساسي هو الاقناع، و هذا الأخير يمكن أن يكون مفعما بتدليسات عدة.
الفكرة الأساسية:
المشاكل ليست الا تكريسا للانتقائية التي تميز التصرف العقلي، و تنقسم دائما الى مرحلتين:مرحلة تولد عجزا ماديا تحتاج تعديلا ماديا، و مرحلة ثانية تستوجب الاستفادة النظرية التي تحصل على مرادفتها التطبيقية من تخزين أحداث المرحلة الأولى.و هذا ما يولد في الأخير ما نسميه عادة:"التجربة الشخصية".