قصيدة : " إلى التي بقيت في فرنسا " لفكتور هوجو من إحدى روائع الأدب الفرنسي الكلاسيكي، و قد ترجمتها الى العربية كي تحظى بشيء من رؤى الهمسات الشرقية :
إلى التي بقيت في فرنسا
كوني أنت، ارفعي عينيك، أزيحي
هذا الرداء الجلدي الذي نقش التواءات شاحبة على جبهتك الملائكية
افتحي يديك، خذي هذا الكتاب، إنه لك.
هذا الكتاب المهجور الذي اعتقل روحي، كآبتي، أملي، حزني، خوفي
هذا الكتاب الذي يتضمن طيف حياتي،
هواجسي، انطباعات لحظة الغسق و هي ترتدي عبرات جافة،
الظل و عاصفته، الوردة و مدقتها،
هذا الكتاب بلون زرقة السماء، كئيب، من أين جاء؟
من أين جاء هذا الشحوب الذي يمزق الضباب؟
سنوات أربع خلت و أنا أسكن زوابع فناجين آخر المساء
هذا الكتاب لفظها كثيرا. كانت السماء مغرمة بلعبة الاملاء البارد
و أنا أكتب...أكتب فحسب.
لأنني قشة في مهب الريح. ارحل قالت الروح. و رحلت.
و عندما يتوقف نزيف يراع صفحاته، عندما يستعذب هذا الكتاب
أهزوجة الأمزجة الناعمة، عندما يطلق شهقته الأولى، عندما يحيا
كنيسة أخفتها المروج تدق جرس العبادة كلما تلاشى وجودي همست :
للخريف أوراق كثيرة ليسقطها..فأعطه بعض الوقت،
لقد صمت كتابك
سلمه لي بسلام...أيها الشاعر
البحر و قد رأى الكتاب يرتجف أردف بسرع : لماذا
لا تلقيه إلي...أ ليس شراعا متمردا؟
بل لي ينتمي هذا النشيد... قال النجم.
لمن تدخره؟ لصراعات الموقف عند هؤلاء الأحياء التائهين؟
امنحه لنا...نخبئه في أعشاشنا...نحمله على أجنحتنا...
قالت عصافير الكناري
قبل ردح من الدهر، و كلما عاد أيلول و زفرات الدمع تخنقه رويدا رويدا
أسافر كثيرا، أهجر كل ما يعرفني
أهرب من التحدي، أرى باريس تنطفىء
لن تأخذه الكنيسة...لا البحر و لا النجم و لا العصافير
هذا الكتاب لك...لك فقط.
تعليق :
لا يحتاج العاشق إلى انجاز زيارات تأملية لمرايا الطبيعة كي يثبت للآخر نظرة التكامل في الحياة. ضرورة التقاط شهادات الوجود حول صدق الحب تنتمي الى النطاق السوسيولوجي البحت، أما الحب فهو ذات واحدة لها انقسامات في المعنى و الجسد.
-------------------------------
في إحدى لحظات النشوة، و بعد أن جفف انطباعات الابحار عبر عوالم الأدب الفرنسي قال فكتور :
" أنا من ألبس الأدب الفرنسي قبعته الحمراء (أي قبعة الجمال في الثقافة الفرنسية)".
قصيدة : " غدا...منذ الفجر" رثاء كتبه فكتور لابنته ليوبولدين و التي ماتت غرقا بمحاذاة صخب الوجود.
و قد قمت بترجمتها إلى العربية :
غدا... منذ الفجر.
غدا...منذ الفجر..لدى التحاف القرية للبياض
سأنطلق، لأراك، أعرف أنك بانتظاري
سأمشي عبر الغابة، عبر الجبل
لم يعد باستطاعتي أن أكون بعيدا عنك
سأسير و عيناي مركزتان على أفكاري..
بلا سهو، بلا انصات لأي ضجيج..
وحيدا..مجهولا..مثني الظهر..متشابك اليدين
حزينا...النهار في رؤياي كالليل.
لن أتابع هطول المجيء المذهب للمساء
و لا مراكب البحر و هي تتساقط على هارفلور (1)
و عندما أصل، سأضع على قبرك..
باقة من البهشية الخضراء و الخلنج المورد (2)
(1) هارفلور : ميناء فرنسي.
(2) البهشية و الخلنج : نوع النبات الذي يكرم به الغربيون موتاهم.