23 يونيو 2010

مدينة الجثث الزرقاء

الشعب يهتف على جنبات الطريق
يقرأ مرعوبا...
كتاب الولاء
في مدينة الجثث الزرقاء

يمر موكب الصنم سريعا
هتافات هنا... و هناك
و عبرات متقطعة بين الحين و الحين...
في مدينة الجثث الزرقاء

يحطم الصنم الصنم
يتوارى التاريخ...
و الشعب يهتف على جنبات الطريق
في مدينة الجثث الزرقاء

تطارد المقصلة الكلمات
سياط... و شواظ
أنصاف أجساد مازوشية
في مدينة الجثث الزرقاء

أفكار شاردة..
ثلاجة انتظار..
مذكرات أفكار باردة
في مدينة الجثث الزرقاء

أوراق مترنحة...
شاحبة اللون...
أبى الخريف أن يصادرها
في مدينة الجثث الزرقاء

المرأة مجددا

تأخذ المرأة داخل النسق الاجتماعي دورا حيويا، تبقى فاعليته مجرد اشتقاق لأهميتها البيولوجية المتيحة لاستمرار النوع البشري. و قد تسرب الاعتبار البيولوجي إلى أعماق الكتابات الأدبية المعاصرة التي ربطت المفهوم الجديد للابداع بالقدرة على استدماج الحالة الإيروتيكية وفقا لمستوى المسموح به ثقافيا و مستوى الشجاعة الأدبية، و الانسجام بين المستويين ينتج المنحى البوهيمي الخاص بكل مجتمع على حدة، بل إنه يحتضن مقتطفا هاما من خصوصية المجتمع إلى جانب اللغة و التاريخ و الدين و غيرها من المحددات الكلاسيكية لاختلاف المجتمعات على الصعيد العالمي و وحدتها الرمزية أو الضميرية في اطار الانسانية.

لم يعد للأصل التاريخي لبروز دور المرأة أهمية تستحق الايراد، فقد تمكنت من فرض نفسها عبر الانخراط الفعال في مجريات المعتاد اليومي، و إذا حظي الرجل بكل فترة ما قبل القرن العشرين اجمالا للبروز كصانع للحدث، فإن المرأة وصلت الى نفس الانجاز من خلال استثمار خطأ الذكورة التقليدي المتمثل في اللجوء الى أشكال متنوعة من العنف لايقاف اصطدام الآراء و الاقتناعات. لقد كتبت في مقال : " الحب و الجنس...و أشياء أخرى" تلخيصا حماسيا ذا تأويل تاريخي للحظة انتهاز التاريخ المقرونة في نظري بالميلاد القانوني و السياسي للمرأة، إذ بادر المجتمع الى الاستعانة بها لسد الفراغ البشري التقني و العددي الناجم عن الارتفاع المهول في نسبة الذكور القتلى. ما وجه الاثارة في هذا القول؟

إنها الحرب و تداعياتها...توقظها امرأة، لتستفيد منها امرأة، في عالم الروايات و السرديات القديمة، لكنها (أي الحرب) في النطاق السياسي و القانوني ممارسة متكررة التصقت بالحسم في الحربين الكونيتين، و نقلت المرأة إلى المكانة التي نلمسها اليوم و تحديدا لدى الغربيين مع الاحتفاظ طبعا باٍستيطيقا الجمال (أو الفروسية على الطريقة الملكية البريطانية في الثقافة كما في الحياة الدستورية) التي تحبذ من الرجل أن يلثم يد المرأة سواء خلال قرون سلطة الذكورة أو في عهد التحرير الأنثوي الراهن. إنها قوة الرمز و التي لا تمحوها الاصلاحات أو التراجعات كيفما كانت قوتها الراديكالية.

لقد أعلن التيار الأنثوي (الفمنيزم) فتح نقاش سلوكي حضاري طويل، قد يستلزم ضمن إحدى فقراته المستقبلية تنفيذ المرأة لأساليب الاضطهاد التي تعرضت لها في الزمن الغابر و التي لا تزال تتعرض لها في أغلب مجتمعات المشرق حيث تتكاثر النزوات القبلية و الأوليغارشية المنحطة و التي تعود مسؤولية استمرارها الى مزج الخصوصية الثقافية و الوطنية باقتضاءات الدين الاسلامي المستوحاة من النص الشرعي القائل بأن الاسلام مبعوث للبشر قاطبة و المتناقضة مع التوسع الجغرافي الذي استخدمه المسلمون لتبليغ رسالة الله.

إن الحرية الممنوحة للمرأة و مساواتها بالرجل لا تعد مقياسا للديمقراطية سياسيا و قانونيا، و لنا في مسار "أيديولوجيا التقدمية (القومية) العربية" مثال واضح. يجب أن نعتبر المساواة حقا مدنيا اراديا كي نتلافى مأساة تبادل الأدوار التاريخية و الخصائص النوعية للجنسين. و مهما تكن النتائج الأخلاقية لايلاء المرأة موقعها المناسب، فالفائدة العملية و الموضوعية التي يحققها المواطن تظل معيار استحقاق تقديري ( فالجميع متساوون قانونا) و الذي يستجيب لهذا المعيار هو أحد مرشحي النخبة لوضع منظومة القيم المشتركة

الحب و الجنس و أشياء أخرى

حين نتساءل عن مركز الانجذاب بين المرأة و الرجل، نرتدي قميص الواعظ الراهب، ذلك الانسان الذي اختار رؤية منمطة للكون فغادر ضجيج الحياة و صخب الواقع إلى صومعة معزولة كي يمارس داخلها انهزاميته. بالنظر الى العشوائية الخلابة التي تتسم بها الرومانسية فالتساؤل عن الانجذاب المتبادل يعتبر تقليديا و رجعيا. فالحب ليس كائنا موضوعيا مجردا يفرض قواعد عامة و إنما يعد مزيجا من الاستثناءات المتشابهة و المتباينة في نفس الوقت.

الوقوع في الحب من خلال كافة أشكاله لا يهتم بماورائيات الوقوع، أي يحاول تبريره، بقدر ما يعكس ترجمة تلقائية لتقارب ما و هذا التقارب لا توجد قوة في الكون المعروف للإنسانية تستطيع أن تقتطع الجنس منه. من يفصل بين الحب و الجنس كمن يفاضل بين العقل و العاطفة و إلى أي منهما يؤول التحكم في تصرفات الكائن البشري. الحب في معناه الجنسي و اللاجنسي الذي يعد امتدادا زمنيا للمعنى الجنسي أفضى الى ابداعات رائعة ((( و المقصود بالابداع سياقا ليس الكتابة فحسب بل جميع الفنون الجميلة))) يخطىء من يصفها بالبوهيمية أو الرومانسية، لأنني لم أجد لها من الأوصاف ما يلائمها أكثر من وصفها بالأدب الواقعي.

هل نستطيع أن نقنع أفكارنا بأن تعابير ذات أصول جنسية تنطوي على الخصوصية الابداعية للفترة المعاصرة؟ لن نحتاج إلى مقتطفات نوعية لأننا في هذه الحالة نرغم أنفسنا على ايلاء دراسة فاحصة للكتابة الأدبية التي رافقت تزامن القرن العشرين مع التغيرات الديمغرافية التي ألحقت المرأة بالحياة الحقوقية و السياسية. كثيرات هن من يعتقدن أن الحصول على ما يعرف بالمساواة بين الجنسين نتيجة منطقية لمسيرة كفاحية، يتوجب عليهن أن يدركن أن همجية الحربين العالميتين قتلت الملايين من الذكور فلم يكن بمقدور المجتمع سوى أن يلجأ إلى بديل مؤقت هو المرأة و لو كان يوجد بديل آخر لما توانى في الاتيان به، المساواة اذن مطلب تحقق فوق جماجم بني الانسان واستفاد منه كائن وحيد هو المرأة

لا شك أن أغلبيتنا تعتقد أن المعاناة و الحرمان يؤديان الى ايقاظ الادب الواقعي، لكن نفس الأغلبية ترفض أن تدرك أن الرومانسية إذا ما اعتبرناها نقيضا للواقع تجعل من اشباع الرغبات غاية، و أحيانا تستخدم الخيال لايهام نفسها بأن الاشباع قد تحقق و تستمر الحياة في المحصلة النهائية. كثيرون سيمتنعون عن تأييد هذا الكلام، لأنه ينطق بالحقيقة و آخر شيء يمكن للإنسان أن يطيقه هو الحقيقة بل إنه يفعل أي شيء للتشكيك فيها، فالتشكيك هو ما يريحنا في الحقيقة، و ليس الحقيقة

يجب أن نفهم أن لا أحد باستطاعته أن يوقف الانعكاس الابداعي للجنس المرتهن بعلاقة عشق، فالجنس وجد منذ القدم و لم تستأصله كل المحاولات الدينية و الأخلاقية. علينا أن نحاول الارتطام بالحقيقة فلا معنى للبحث عن الذات في المرآة كلما أردنا الانطلاق في موعد عاطفي...فالآخر هو المرآة الأكثر صدقا دائما و عبر علاقاتنا به نربح رهاناتنا أو نخسرها...باستثناء إن كنا نبتغي أن نبني وسيطا بيننا و بين الآخر على شاكلة الجماد في حالة المرآة و على شاكلة الأصنام في حالة الذين رفضوا الايمان بالله مباشرة.

01 يونيو 2010

خبز الله المر

ما من امرىء يتحدث عن الماركسية، إلا و حبة البرتقال تكاد تفجر رأسه، بل إنه يفرط في تناول المنبهات كي يتأكد كلما اختفت لحظة ما أنه لا يحلم، و بين الحين و الآخر، يتابع أخبار حالة الطقس إذ قد تسوء بغتة.

قد مات لينين، و أشهر السوط المخيف ستالين، ثم أعلن التمرد تروتسكي اللعين.

كانت موسكو تندب حظ البلد الأمين، و إذ تناهى الخبر اليقين، إلى الثقلين أجمعين : تحدث الراوي و العهدة عليه، أنه أبصر العم فيديل الشيوعي الملحد يرفع أكف الضراعة إلى السماء ينشد الغوث بعد أن عجز عن اقناع محدثه بجدوى الماركسية

و حيث أن الشمس لا ترى عند منتصف الليل، و زرقاء اليمامة حينما أنذرت النيام حربا شعواء كانت تدرك ما العواقب، فقد صرح الثعلب بما لا يبقي للذئب مجال المناورة.

و أتى الثائر يحمل ورود الياسمين مرحبا بالعلاقة الحرام بين الاشتراكية و الديمقراطية، و نادى الثائر في الجموع أن الخوصصة أو الخصخصة أي بيع الوطن قطعا متناثرة و بالتقسيط هي المعبر الأنجع نحو الحياة

اليوم، بعد أن غدت الكلمة أجيرة، و الظلال المشوهة لمباني كبار الملاكين تسيطر على الأفقين الأخضر و الرمادي معا، كان زعيم الشركة المفعم بالرأسمالية يدخن سيجارا شيوعيا أرسله إليه عبر البريد المضمون الكاتب المتأمل فيديل...

حينما يرسل الشيوعي السيجار الى الرأسمالي، فأدرك يا بني أنك فخذ الدجاجة في مأدبة اللئام

إنماها اللعنة تحيق بالأوراق اللائي لم يسقطهن الخريف