16 أغسطس 2010

حنجرة الضمير المغربي


http://www.safara.com/images/ghiwan.jpg
لكل أمة رمزها الثقافي الأسمى الذي يجسد هويتها و خصوصيتها أمام مختلف الثقافات التي يزخر بها العالم. لا شك أن ربط الثقافة بالتاريخ موقف جزئي، فالثقافة مفهوم مركب يشتمل انجازات مجموعة بشرية ما بدلالة الزمن تقدما و نكوصا.

إذا اعتبرنا الحدوث الثقافي مستقلا عن الدين، فإننا نمنحه في هذه الحالة بعدا بشريا بحتا، غير أن المناطق التي وصل إليها الاسلام تتسم بتداخل وشيج بين الممارسات الدينية و الاجتهادات الفردية و الجماعية الملحقة بها من ناحية، و بين منظومتها الثقافية من الناحية الأخرى. إن الثقافة ليست مكونا هوياتيا ماضويا، هي كل التفاصيل التي ننشىء منها المعتاد اليومي.

فصل الثقافة عن الماضي لا يحرمنا من التأكيد على الأهمية العليا التي تكتسيها الفعاليات الثقافية المتصلة بالجذور و التقاليد و الفلكلور، و هذا الانجراف الانطباعي الخلاب هو الذي يحيلنا الى التجربة الفريدة التي اختطها ناس الغيوان منذ مطلع مشوارهم الفني المتألق، هؤلاء العمالقة الذين انطلقت أسطورتهم من الحي المحمدي الكائن في قلب الاعتمالات الشعبية لمدينة الدار البيضاء.

بدأت المسيرة العريقة بحلقات غنائية تمتح من الميراث الثقافي المغربي الثري و ما لبثت إلا قسطا قليلا من الوقت، قبل أن تحقق انفجارا ثقافيا ما زالت ارتداداته توحد الذوق المغربي، بل إن هؤلاء الفنانين الوارفين يسمحون للقارىء المتأمل في سجلهم الفني الحافل بصياغة مفهوم جريء : " الذوق الجماعي " و اعتباره مقياسا مضافا لدراسة النشاط الفني عن كثب، أو للحديث، رغم صعوبة هذا التوجه التحليلي، عن نجاحه ( النشاط الفني) أو اخفاقه عبر اكتسابه لقيمة تاريخية/واقعية متجددة.

السؤال الأكثر الحاحا : كيف تمكن رجال منبثقون من رحم الحياة الشعبية المائرة و باستعمال آلات موسيقية محلية من توحيد قلوب جميع المغاربة ؟ سؤال آخر لا يقل ثقلا عن الأول : كيف تمكنوا من تجديد صفاء المكانة التي يملكونها في وجدان كل انسان مغربي؟ إنه الارتباط الوثيق بتقاليد هذا الشعب العريقة، موشحات الفلكلور المغربي التليد ، القول الحكيم المأثور، الآمال و التطلعات، التربية و القيم، التوعية، الانتصار للقضايا العادلة...كلها مواضيع احيائية تطرقت اليها أغاني ناس الغيوان البديعة. دون نسيان التصوف التعبدي و الحس الثوري الراغب في انتشال الوطن من أحزانه.

لقد أنشد هؤلاء العمالقة باخلاص متطرف نتلمسه في عمق و أصالة الصوت، و قوة المشهد ، و نزاهة الكلمة. أثقال المواطن المغربي و معاناة أفريقيا تحت الاستغلال الغربي الشرس و الاحتلال ، كلها صور التقطتها الذاكرة الجمعية رفقة البلابل المغردة.

كل هذا المسار الساطع كتبه بمداد الألم الأمل حملة الرسالة الفنية المغربية التي انتصرت على التقادم، إذ ما زالت مقطوعات ناس الغيوان تحظى باقبال رائج من لدن المغاربة مهما تكن أعمارهم و انتماءاتهم العرقية و الفكرية، و علام الاستغراب، فهؤلاء العظماء وضعوا التعريف الأمثل للفن الخلاق، عندما جعلوا منه بحق و بتواضع : حنجرة الضمير المغربي.

15 أغسطس 2010

ما تبقى من مثقف عربي

دلف إلى غرفة مكتبه…

طفق يبحث عن نصوص سردية…

و كلما عثر على أحدها وضع جردا للأفعال اللازمة و المتعدية. أنفق ساعات قليلة قبل أن يدرك أنه غدا كمية معرفية أنهكها مشوار علاج رجيم بين اللازم المتشدد و المتعدي البوهيمي.

لا يكتب لتحقيق أحلام ذاتية راودته منذ زمن يجهل منبعه و مصبه، لا يكتب عن الغموض القاتم الذي يلف ما كان ينطقه ممتلئا بآمال محروقة، القناعة الوطنية…التقويم التاريخي…المصير المشترك، كلها متفاعلات يشاء الواقع الكئيب أن تغادر نطاقها الموضوعي السليم لتتحول إلى كائنات تتلاعب بها ارتطامات المزاج و الوجدان.

يبنون على الأرض، و هو يبني في الهواء، منحوا الأولوية لمعالجة مشكلات الانشطار الذاتي قبل ايقاظ تطلعات انجاز وحدة موضوعية ما و هو يكتب بلا تثاؤب لمشروع أنجزته فكرة بسيطة تنتمي الى حق انساني كوني لا سبيل الى مصادرته بغير العنف المادي الوخيم، يريد وطنا، لا يفصل مقاساته أحد، يريد وطنا يبادله الاحترام و العطاء بمازوشية و سادية متكافئتين؟ لا. يريد وطنا يصله به نسيج من التساهم و التكافل في كل شيء. في المحصلة مطلبه واضح الملامح : وطن يقول له في لحظات يقظته و سكره : إني أحبك بلا تبعات، بلا تداعيات…يقولها بسلام…تحملها نسائم المواطنة إلى كل الأجزاء.

كن لازما أو لا تكن…كن متعديا أو لا تكن…

هكذا يصرح الواقع الصارم، لا وجود لمفاضلات أو اختيارات توافقية…و لم التوافق؟ هل التوافق مع الشيطان يمنح للوطن تقدما؟ ربما…فالوطن يبقى مجموعة أحلام انتهازية يعوزها الانسجام…لقد طارد أحلامه على حدة…يحاول جاهدا الامساك بالحلم بمعزل عن الحلم…حالما يساوره شعور الوصول إلى حلم، يتذكر بسرعة أنه نسي حلما آخرعند بداية الطريق.

هو حلم واحد…موضوع واحد…بتجليات متعددة…هذه هي الحقيقة التي ما زال يرفض الايمان بها.

اختتم رحلته السوريالية بطي ورقة الحلم و ترتيبها بين صفحات كتاب مهجور.

14 أغسطس 2010

ارتسامات الهزيع الأخير

https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEhAa8vlyeAmlurhFSXiyHl1MAmdp0e6FR6gC92l4xTnm7h6JiKIXa3VSy61Lor1ujxECJ3DJllstDweEjJBdlcyl8F-kheLa7vBHA2GyQUMYwaUqwTmTcAb3SaXnzHoekG7nzaYnOPunViF/s400/l'amour.jpg

عندما ننظر مليا الى نقطة الالتقاء بين السماء و صفحة البحر الزرقاء، تنتابنا الكثير من الارتسامات المتلاطمة، نفكر بامعان و نستعيد مشاهد قديمة.


السفر عبر نقطة الالتقاء يبعث على الاطمئنان، و يخط بهدوء إحدى أروع صور الوجود، لكننا لا ندرك في غمرة تلك اللحظات السعيدة أن ما نراه مجرد وهم، فالسماء و البحر غير قابلان للتلاقي، لذلك ، يجب أن نقول لأولئك الذين يزعمون بالحاح أن الحقيقة تنثر الاطمئنان، إنهم مخطئون، فالوهم مصدر للاطمئنان أيضا. إذا كان كل من الوهم و الحقيقة ينشران الخوف حينا و الاطمئنان حينا، فكيف يمكن أن نعثر على الخط الفاصل بينهما.

عبثا نلهث خلف الفصل الشراحي بين المفهومين بمختلف تشكلاتهما الملموسة، إذ تساورنا فكرة خاطئة مجددا تربط بين الحقيقة و الواقع، للذين رحلت تأملاتهم صوب هذا الاتجاه في هذه الأثناء، أقول بكل اختصار : البحر و الشمس و الغروب و التلاقي أو اللا تلاقي، كلها كائنات واقعية.

لكل واحد منا حقائقه و لكل واحد منا أوهامه، و مقياس تقبلها لا يرجع الى الحقيقة بحد ذاتها أو إلى الوهم بحد ذاته، إنما يتصل اتصالا وشيجا بالمحتوى الجمالي، إذا كان الوهم جميلا فإننا نتقبله، و إذا كانت الحقيقة جميلة فإننا نتقبلها، بل إن الحقيقة كما هي تكافىء الوهم الجميل. إذا قمنا بجمع كل الحقائق الجميلة، فإن وهما جميلا واحدا سيكون أجمل منها دون ريب مثلما يكون وهم سيء واحد أسوأ من كل الحقائق السيئة.

لقد أوهمتني أنك تحبينني، و آمنت بهذا الوهم، تسلل الى ترتيب مكونات المعتاد اليومي، غدا كياني ، بحيث لا أكون أنا إذا لم أستشعر وجوده في كل صوب أوجه ناظري إليه و في كل فكرة تشق طريقها الى ذهني.

أتقنت صناعة الوهم...بيد أنه كان وهما جميلا، و بذلك يكون أجمل من كل الحقائق الجميلة.